مثلي يعرف البلوط بكل مواسمه ، يعرف متى ينفع شجر البلوط لاعشاش الطيور الملونة الجميلة منها ، والسوداء كالبوم التي تختار الجحور داخل اغصان البلوط العميقة فتضع بيضها وفراخها بعد ذلك ، اعرف متى تكون ثمار البلوط ضاربة الى طعم (المرار) ومتى تصير بطعم الكستناء الحلو المذاق ، اعرف انسب المواسم لقطع اشجار البلوط لتصير الى مدفأة (الحطب) ، ومتى تنفع لتصير اغصانها الى (عكاكيز) يستخدمها المسننون والمرضى ، اعرف متى تنفع (قرامي ) البلوط لتصير الى (مهابيش ) تضرب بعصاها القهوة السمراء بصوت الربابة او بحنجرة عبده موسى ، اعرف متى تنفع اغصان البلوط لتصير الى (عصا) في يد معلم الانجليزية يتأرجح في يديه قبل ان يستقر على مؤخرات (الكسالى!) ، اعرف متى تنفرش اوراق البلوط فتظلل السماء والشمس من فوقنا فتصير الى خيمة ، نشرب الشاي الفرط مفور بزبد لونه ابيض قبل ان يغلي ، واعرف متى يصفر البلوط فلا يكاد يظلل الا نفسه ، اعرف متى يصير القيض والصيف ويصبح البلوط مرتعا للحراذين و الاحناش والحرابى (جمع حرباء) و السحالي و (آباء ) بريص ، اعرف الكثير عن البلوط فوق ذلك اعرف غابات البلوط التي كانت على مشارف جبال الشمال الاردني ، وما عادت كذلك ، اعرف اين كانت والى اين صارت ، اعرف عن البلوط ما صار ينازعني فيه ( شارع مكة !) بتجاره ورواده على السواء..!
في صيفين مضيا جاءنا زائر الى (جدة) السعودية يحمل معه ثمار البلوط ، وقد ربرب اي انتفخ وصار الى طعمه الرائع وخّصني بالحنين ببعضه ، فاكلت وانتشيت بعد سنين ذكرتني بالبلوط بعد ان كدت انسى من البلوط الا ما يذكرني به شارع مكه وما يعرفه (العمّانيون) عن البلوط اذ يبلغ متوسط مطبخ البلوط بشارع مكة ما بين خمسة الاف الى عشرة الاف دينار ، فيما تباع قرمية البلوط وشجرة باكملها من الغابات المفترى عليها في شمالنا الذي كان اخضرَ ، بخمسين دينار لا غير ، اعرف البلوط تماما ، لكن معرفتي تختلف بعض الشيئ عن معرفة سيدات المجتمع وسيدات سيارات الهمر اذ يقفن ويٍساومن عن مطابخ البلوط على ناصية شارع مكة نزولا وصعودا ، لا بد ان البلوط هذا هو غير البلوط الذي نعرفه
او ان الدنيا تغيرت ، المهم لسه في الدنيا بلوط لسه في الدنيا خير ، والبلوط باقٍ ما بقيت مطابخ السادة الكرام ، ولو لم يبقَ من البلوط الا اسمه تشدوه سيدات (الهمر ) هذا يكفي وزيادة..!