لقد كان إنشاء الدائرة العامة يهدف لتقوية الأحزاب السياسية، والتركيز على البرامج السياسية، والابتعاد عن سلبيات الصوت الواحد للدائرة المحلية؛ وكان ذلك الهدف الأساسي للقانون، سواء في مناقشات اللجنة القانونية لمجلس النواب السادس عشر، أم الحكومة التي تقدمت بالقانون، أم لجنة الحوارالوطني من قبل ذلك. بالأضافة لزيادة نسبة تكوين بعض المكونات الديموغرافية.
وعندما وافق مجلسا النواب والأعيان على قانون الانتخابات النيابية الحالي ، واعترض الملك على عدد نواب الدائرة العامة، حيث كان سبعة عشر مقعداً، ثم ولتحقيق أهدافه رُفع العدد في التعديل ليصبح سبعة وعشرين مقعداً.
وإذا كانت هنالك قوى سياسية تطالب بأن تكون القائمة النسبية المغلقة بما يوازي 50% من عدد مقاعد مجلس النواب المنتظر، فإن الوضع الحالي يوازي 18% ، وقد كانت هنالك بعض القيود في مسودة المشروع لتشكيل الكتلة العامة؛ بأن يكون الترشح للقائمة العامة مقصوراً على الأحزاب المرخصة فقط، وأن تشمل تشكيلتها ثلثي المحافظات الأردنية. ولكن ألغيت كل تلك الضوابط، وترك للهيئة المستقلة للانتخابات تحديد الحد الأدنى لتلك الكتل. ولما صدرت تلك التعليمات لم تشتمل على أي قيد، إلا الحد الأدنى للقائمة وهو تسعة مرشحين.
ومن المفترض أن تقدم القائمة العامة المغلقة النسبية برنامجاً انتخابياً شاملاً لجميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ...الخ، وأن تكون قادرة على تنفيذ ذلك البرنامج، بحيث لو فازت تلك القائمة بالأغلبية البرلمانية، ثم أسندت لها مهام تشكيل الحكومة القادمة، لنفذت برنامجها.
ولذا يفترض من أعضاء الكتلة العامة أن يكونوا على مستوى عال من التأهيل السياسي والإداري، والقدرة على التطوير والابتكار، ...ألخ بحيث يستطيع كل فرد فيها أن يقود وزارة أو على الأقل مؤسسة عامة كبرى.
وبناء على ما تقدم فقد أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات عن تشكيل (60) قائمة عامة، بعدد يبلغ 820 مرشحاً ، تتنافس على سبعة وعشرين مقعداً. يضاف لهم 689 مرشحاً عن الدائرة المحلية، وبمجموع يبلغ 1518 مرشحاً، وفي هذا مبالغة كبرى لا مبرر لها. فالكثير من المرشحين غير مؤهلين للتشريع والمراقبة، ومن باب أولى بالإدارة . كما أن عدد المجلس سيكون 150 عضواً لثلاثة ملايين ناخب مفترض مبالغ فيه أيضاً.
ولو نظرنا للقوائم المعلنة لوجدنها أنواعاً وأشكالاً مختلفة. ففي ظل مقاطعة بعض القوى السياسية وأبرزها حزب جبهة العمل الإسلامي، برزت بعض الأحزاب السياسية محدودة الأثر، ومنزوعة الثقة الشعبية، ضعيفة الأداء؛ والتي عمدت إلى استقطاب شخصيات حاولت أن تكون معروفة جماهيرياً، سواء بتولي مناصب حكومية ، أو إعلامية. بحيث تكن تلك الشخصيات بيضة القبان، وجاذبة للأصوات.ولذا فبعض المرشحين انتسب للحزب عند توقيعه على طلب الترشيح، فأي قناعة تلك بالحزب وأهدافه وبرامجه !!!
وبعض الأحزاب بعد أن أعلنت مقاطعتها للانتخابات عادت ورجعت عن موقفها. معتقدة أن المشاركة بالعرس خير من الحرد، فإن لم نصل للحمة فيكفي بعض المرق، ولا أقل من التواصل الاجتماعي، وهي فرصة سانحة.
وبعض الأحزاب ولأن شعبيتها وقواعدها محدودة لجأت للقائمة العامة، محاولة إحراز ثلاثة مقاعد في أحسن حالة. وعلى كل فالأحزاب المشاركة جميعاً كان تركيزها على الثقل العشائري المتوهم لبعض الأعضاء قبل البرامج أو أي شيء آخر، ولو كان من اعتمدوا عليهم يستطيعوا الفوز بمقعد عن دوائرهم المحلية لما اقتربوا من القوائم العامة، ولكنهم لن يتكلفوا عبئاً مادياً جراء انتسابهم للقائمة، وهم يعلمون حق اليقين رسوبهم في كلا الحالتين.
والمضحك أن كل القوائم تستدرج من هم بعد الرقم الثالث بالقائمة بأوهام فارغة؛ فإن لم ينجحوا في الانتخابات فسوف يكونون وزراء وسفراء أو بالمراكز العليا ...الخ ومن ينظر لتلك الوعود الكاذبة والفارغة يعتقد أننا أما إنقلاب وتغيير جذري في كل مؤسسات الدولة، والأسخف منهم أولئك الذين يصدقونهم، وما علموا أنهم مجرد جامعي أصوات في أحسن أحوالهم ، وبعد الانتخابات كلٌ يذهب لحاله ومصالحه. وهكذا هي الانتخابات!!!
وهنالك قوائم يترأسها بعض الشخصيات التي ترشحت على الدائرة المحلية ، ثم شكلت قائمة وطنية، وهم يعلمون أن تلك القائمة لن تحصد إلا خيبة الأمل، ولكن أعضاء تلك القائمة بمثابة موظفين لجمع الأصوات للمعلم في الدائرة المحلية، ولكنهم خدعوهم بالنجاح والأمجاد الموهومة، والأحلام الوردية .
وبعض تلك الشخصيات ممن يعلم القاصي والداني بفسادها ، والأولى بدل تقدمها في القوائم الوطنية أن تقدم للمحاكمة بسبب الفساد، ولذا حرصت على استقطاب بعض الشخصيات النظيفة الطامحة للشهرة . وكأنها تحاول تبرئة نفسها بوجود تلك الشخصيات النظيفة معها، ومحاولة إصدار صك براءتها من الفساد. ولكنها شوهت سمعة الآخرين في تلك القائمة.
ومن الجدير بالذكر أن الخلافات سرعان ما دبت بين أفراد تلك القوائم، ولذا سنشهد إنسحابات عدة ومن مختلف القوائم، كما سنرى سلبية من بعض المرشحين في القوائم؛ إما لأنهم وضعوا في أماكن يظنون أنها أقل من مكانتهم، أو أن بعضهم كان يريد من القائمة تذكير الجهات العليا بالدولة أنه موجود، أو أنه يريد إشهار اسمه، أمام زوجه وأولاده وجيرانه الأقربين على أنه مرشح للانتخابات فهم الذين يعرفونه فقط ، فلما أعلن عن اسمه وانتشر، فقد حقق سعيه ومراده، ولا يهمه لو رسب رقم واحد، ما دام هو لن يتكلف شيئاً، فالرسوب سيكون القاسم المشترك بينهم.
وفي ظل غياب الحزب الأقوى تنظيماً وتكتيكاً ، والأكثر ثقة من الناخبين، يحاول الجميع أحزاباً وأفراداً أن يكون لهم قرص من العرس. ولسان حالهم يقول: نائب سابق ولدورة واحدة قد تكون لمدة سنة في أحسن الأحوال خير من مواطن عادي !!!
أخيراً إننا أمام تجربة جديدة في الانتخابات النيابية، ولكن لو كانت القائمة بما لا يقل عن 35% من أعضاء المجلس النيابي، ثم اقتصر الترشح للقائمة على الأحزاب السياسية، لشاهدنا برامجاً حزبية ، ثم تنافساً حزبياً واضحاً، وشخصيات عالية المستوى من الكفاءة.
نأمل أن يكون المجلس السابع عشر مغايراً للمجلس السابق، وفي ظل منافسة شعارها النزاهة، واجتناب سلبيات الماضي. وأن يعيد النظر في قانون الانتخابات.
وكل انتخابات وأنتم بخير، في ظل أجواء ميلاد المسيح عليه السلام.
Sulaiman59@hotmail.com