حكاية تعبيرية رمزية تفوح بالوضوح
بقلم :الداعي بالخير صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
صرخت بهم : أسرجوا لي الجواد ، واصقلوا لي السيف ، واعطوني الدرع والترس ، لقد فاض الكيل ، سوف أفعل المستحيلا ...!!!
لم أر إلا ابتسامات ساخرة صفراء ، رأيت السم النقاع من تحتها يكاد يقتلني ...!!!
صرخت مرة أخرى : ما بكم ؟؟
كيف تجرؤون على هذه الابتسامات الصفراء الباهتة بوجهي وأنتم تعرفون من أنا ؟؟؟ هل نسيتم عنترة بن شداد فارس عبس ..؟؟!!
ازدادت الابتسامات الساخرة، وتحولت إلى ضحكات باهتة ، ثم ازدادت حتى أصبحت قهقهات صاخبة ، صفعوني بها ، فأحسست أني أذوب وأتلاشى ...!!!
ألستُ صاحب الجولات والصولات في ميادين الضراب والقتال ..؟؟
اهتز المكان بالصراخ : أنتَ لست عنترة ، وجوادك ليس الأبجر ، وسيفك صدئ ومكسور ، أنت عبارة عن وهم منفوخ ، أنظر حولك ... أنظر حولك !!
ماذا ترى ؟؟ ماذا ترى ؟؟
انك لا ترى إلا أشباحا من الماضي ، تعيش في خيالك الأصفر ...!!
ترى أمجادا عفرها غبار العار ، ترى هزائمنا متتالية ، تُرى ، ماذا ترى ؟؟
أنت تمثال في متحف الشمع بصورة تقريبية لا نعرف صحتها ، ولكننا اتفقنا على تسميتها عنترة ، وقد كان...!!!
وحصانك في سباقات الخيل يقامرون عليه ، وسيفك في صالات الأفراح ، يقطعون به قوالب الكيك ، ويرقص به العرسان...!!!
صفعوني بهذه الحقائق الانهزامية المذلة ، أنا تمثال شمع !! والنبض الذي في عروقي مجرد ومضات تتحرك بالتيار الكهربائي ، ليضئ تفاصيلي المملة التي صممت على شكل عنترة بن شداد ، يتسلى الناس على منظري ..!!
بلى لست أكثر من تمثال لعنترة ، لا يصرخ ولا يثور ولا يحس ولا ينتمي .. حتى لو كان ينظر من أعلى أبراج الأرض ، ومن على منارات البحار التي تهدي السفن الضالة إلى اليابسة ...!!
يبدو أن اليابسة لا وجود لها ، وحصاني في ميادين السبق يقامرون عليه ، وقيمته ليست أكثر من نمرة قد تربح وقد تخسر ، بقدر ما يكسبون عليه في المقامرة ، وقد يتم تهجين نسله عندما حل الحمار مكانه ، وصار الناس أكثر حاجة للبغال من حاجتهم للخيول ، والسيف لم يعد يعانق الرقاب ، وصاروا في صالات الأفراح أحوج إليه من الحروب التي صارت مجرد أسماء وأرقام على الخرائط الورقية ، وصار السيف يعانق الكريم كاراميلا ويغتسل بالزبد والدسم بدلا من دماء الأعداء...!!!
صار السيف في قمة الطموح والانتماء إلى التاريخ يقطع البصل والثوم والخضراوات ...!!!
تغيرت أدوات المعركة ، وصار للحرب قوانين أخرى ، وكلما تطورت أصبحت أكثر قذارة ، وأشد فتكا بالورى والممتلكات والبيئة ، ومستقبل الأرض ، ولا صوت يعلو على صوت المعركة كانت الدوامة أشبه بزوبعة في الصحراء المكشوفة ، لا تجد ما تصطدم به ليفتتها ويهزم فلولها ، تدور حول نفسها بسرعة هائلة وتتقدم في طريق ما ، لم تحدده بالضبط ، وكل الأشياء الصغيرة والخفيفة التي تأتي بوجهتها تحملها معها ، وأحيانا تشتد وتكبر وتعلو وتسرع حتى تأخذ الخيام والناس والأنعام ، وقد تهدم البيوت وتقتلع الأشجار ، هكذا كانت دوامتي أنا عنترة وخيبة أملي بأهلي وناسي ، وعربي المهزومة ، وقد تركتها قوية لا تهزها الريح ...!!!
تلاشى صراخي ، قد يكون الصمت أبلغ من الكلام ، ولكنه كان يعتمل في داخلي ، مثل بركان في جوف الأرض يبحث عن منطقة رخوة يفجر من خلالها حممه المصهورة ...!!!
أحسستُ بدموع تترقرق في قلبي ، عيناي لم تعودا مخزنا ومصنعا للدموع ، هذا سيفي الذي قاتلت به ونلت من الأعداء ، وكم من الرؤوس أوقع ، وهذا حصاني الأبجر ، وهذا درعي ، وهذا ترسي ، وذاك رمحي وتلك كنانة سهامي ، إذ طالما بريت وأخي شيبوب وأخي جرير هذه السهام ...!!!
إذن أنا موجود ، ولست نكرة ، والأبطال أمثالي لا يموتون إلا إذا ماتت الأمة ، والأمة لا زالت موجودة ، رغم مرضها ووهنها إلا أنها موجودة ...!!!
كان هناك صراخ معادي لظهوري ووجودي في ضمير الأمة يصرخ بي لأعود إلى قبري ، يأمرني بالموت ، لأن حياتي عار عليه وشجاعتي تدمر جبنه ...!!!
لا زال الصوت يصرخ ويقول :أرقد في قبرك ..فالحياة عار عليك أيها الإرهابي عدو السلام ، العصي على التطبيع ، اذهب إلى التاريخ الذي تحاول تفجير ذمته التي حفظت لك اسمك وتاريخك ، وتعيدك لتلهو بك ، فمثلك فارس مغوار انتهى زمانه لا يكن أن يعيش في زمن غيره بكرامة وسؤدد ، أنت الفارس الهُمام ، والفارس لا يمكن أن يتخلى عن فروسيته ويخون شرفه الرفيع ..!!!
أغمضت عيني ، رحت في سبات ، تلقفني الموت من جديد ، لا زلت واقفا ، فالأشجار تموت واقفة ... أنا مجرد تمثال من الشمع ، بلا روح بلا حس ...!!!
صوت الضحكات والقهقهات لا زال يصفعني ...!!!