هل تعاني بعض جامعاتنا من تعثر مسلكي إضافة للتعثر المالي والإداري؟
هل أصبحت بعض جامعاتنا مصدر إزعاج مجتمعي بعد ان تميزت في الخدمة المجتمعية؟
هل الفراغ الفكري لدى الطلبة هو سبب العنف؟
هل للتنشئة أثر فيما نجني من أبنائنا الطلبة؟
هل لاندفاع المجتمعات المحلية السريع للمشاركة فيما يحصل من أحداث عنف داخل الجامعات دور في إضرامها؟
هل بعد ما حصل من إزهاق للأرواح وتدمير للممتلكات هم منتهون؟
هل في تشريعات الجامعات ثغرات؟ استغلت من قبل القلة القليلة الخارجة عن القانون فعاثوا في جامعاتنا فساداً!
هل الجامعة بريئة من دم الطالب؟
أشارة بعض الصحف إلى أن أعمال عنف قد جرت عقب وفاة شاب في مشاجرة في «جامعة البلقاء التطبيقية» بعد قيام أحد زملائه بطعنه في عنقه بعد مشاجرة في حرم الجامعة في السلط أمس، وتعرض مرافق في الجامعة للتحطيم وإطلاق عيارات نارية في الهواء أصاب الجميع بالحزن وخيبة الأمل.
لا بد من الوقوف مطولاً عند هذا الحدث الأكثر إيلاما منذ ما يقارب الربع قرن مضت من تاريخ الجامعات الأردنية الرسمية والذي أودى بحياة مواطن أردني غالي والذي يوجب إعادة النظر بقوانين وأنظمة وتعليمات التعليم العالي والجامعات الرسمية المتعلقة بالتعامل مع مثل هذه الأحداث المؤلمة والتي يبدوا أن بها ثغرات لا يزال البعض يستطيع التسلل من خلالها للإساءة إلى مؤسساتنا وبالتالي وطننا ، وعليه فلا بد من دراسة ترابط مجموعة التشريعات تلك للوقوف على مدى قدرتها على معالجة ما يحصل وعدم تكراره مستقبلاً.
المادة 6- إ – من قانون التعليم العالي والبحث العلمي رقم 23 لسنة 2009 والصادر بالجريدة الرسمية أشارة إلى أن يتولى مجلس التعليم العالي مهام وصلاحيات منها:
1- رسم سياسة التعليم العالي في المملكة ورفعها إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار اللازم بشأنها.
2- مناقشة مشروعات الأنظمة التي تقترحها مؤسسات التعليم العالي ورفعها لمجلس الوزراء لاستكمال الإجراءات الدستورية بشأنها.
من هنا يتبين أن رسم السياسات جاء ذو صفة عامة وعليه فالجانب الأمني للجامعات يمكن أن يعتبر من صلاحيات مجلس التعليم العالي، وعلى المجلس أن يتعاطى من ألان فصاعد مع هذا الجانب، أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية أعلاه فالسؤال هو هل رفعت مؤسسات التعليم العالي \"الجامعات\" أي مشروعات أنظمة تتعلق بالأمن الجامعي أو بمنع الشغب داخل الجامعات بشكل خاص.
الغريب أننا نجد ضمن تعليمات الجامعات تعليمات تخص الأمن الجامعي مثلاً ولا نجد نظام يختص بذلك؟
كما تشير المادة 26- من قانون الجامعات الأردنية رقم 20 لسنة 2009 إلى ما يلي:
على الرغم مما ورد في أي تشريع أخر، تتولى الجامعة الرسمية وداخل حرمها الخاص القيام بجميع الأعمال والخدمات العامة وتوفير الوسائل والمرافق الضرورية التي يقتضيها تحقيق أهدافها وغاياتها المنصوص عليها في هذا القانون وتوفير وسائل حماية ممتلكاتها وموجوداتها. الغريب هو أن هذه المادة تغفل جانب هام وهو حماية الأشخاص العاملين بالجامعة وطلبتها؟
إلا أن نظام الجامعات عالج هذا الجانب حيث يشير نظام تأديب الطلبة المدنيين في جامعة أردنية وتعديلاته رقم ٣١ لسنة ١٩٨٧ المنشور في الجريدة الرسمية رقم ٣٤٩٦ إلى أن تعتبر الأفعال التالية مخالفات تأديبية تعرض الطالب الذي يرتكب أيا منها للعقوبات المنصوص عليها في هذا النظام:
أ. أي فعل ماس بالشرف أو الأخلاق أو مخل بحسن السيرة والسلوك أو من شانه الإساءة إلى سمعة الجامعة أو العاملين فيها سواء ارتكب هذا الفعل داخل حرم الجامعة أو في مناسبة تشترك فيها أو نشاط تقوم به.
ب. أي فعل أو امتناع عن فعل من شانه الإخلال بالسير العادي للمحاضرات النظرية أو العملية.
ج. أي تنظيم داخل الجامعة أو المشاركة فيه من غير ترخيص سابق من السلطات المختصة في الجامعة والاشتراك في أي نشاط جماعي يخل بالقواعد التنظيمية في الجامعة.
د. الدعوة إلى أفكار سياسية أو طائفية أو إقليمية أو الترويج لها داخل حرم الجامعة.
ه. استعمال المباني التي تشغلها الجامعة ومرافقها وملحقاتها في غير الأغراض التي أعدت لها دون إذن مسبق.
و. إتلاف أي أموال تملكها أو تشغلها الجامعة.
ز. أي فعل يشكل مخالفة لقانون الجامعة أو أنظمتها أو تعليماتها أو قراراتها.
تحدد العقوبات التأديبية التي يجوز فرضها على الطالب بما يلي:
أ. التنبيه.
ب. إخراج الطالب من قاعة المحاضرات.
ج. الإنذار بدرجاته الثلاث الأول والثاني والنهائي.
د. الحرمان لمدة محدودة من ممارسة نشاط أو أكثر من الأنشطة الطلابية.
ه. الحرمان لمدة محدودة من الاستفادة من الخدمات التي يقدمها مرفق أو أكثر من مرافق الجامعة التي ترتكب فيه المخالفة.
و. إلغاء الامتحان أو الاختبار في مادة أو أكثر وفقًا لهذا النظام.
ز. إلغاء التسجيل لمادة أو أكثر في الفصل الذي ارتكبت فيه المخالفة.
ح. الفصل من الجامعة لفصل دراسي أو أكثر.
ط. الفصل النهائي من الجامعة.
وإذا أدت المخالفة التي ارتكبها الطالب إلى إتلاف أي من أموال الجامعة فيلزم بدفع قيمة ما اتلف أو التعويض عما الحق من ضرر وذلك حسب تقدير رئيس الجامعة أو من يفوضه.
أليس هذا هو الحد الأدنى من العقوبات؟
ألا يجب هنا التفريق بين التجاوزات الأكاديمية التي يرتكبها الطالب وبين إعمال التخريب والعنف وإثارة القلاقل وبالتالي وضع تشريعات خاصة لكل منها حسب جسامتها وتبعاتها, وتحويل ما هو غير أكاديمي إلى الجهات الأمنية والقضائية صاحبة الخبرة والتخصص للبت فيه حسب ما يقتضيه حاله! وإبقاء ما هو تجاوز أكاديمي بحت لمجالس التأديب بالجامعات للتعامل معه بحسب معرفتهم وتخصصهم! أليس غريباً أن يشكل في الجامعة مجلس تأديبي يكون أعضائه من تخصصات علمية مثلاً ليس لهم علاقة من قريب أو بعيد بقوانين العقوبات وإجراءات المحاكمات للبت بأمور لم يتدربوا عليها ولا حتى مروا بها وينتظر منهم أن يتخذوا قرار بفصل طالب جامعي؟ أليس من الأفضل أن يكونوا على الأقل متخصصون بالقانون أو الحقوق مثلاً ؟ أم انه حتى تشكيل مثل هذه اللجان يأتي من باب المجاملة؟ الم نمر بحالات في الجامعات حكم بها البعض دون سماع أقوالهم؟ هذا ما تشير إليه مادة أخرى بالنظام بحيث يؤلف رئيس الجامعة في مطلع كل عام دراسي لجنة تحقيق أو أكثر من ثلاثة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة ويعين احدهم رئيسًا لها وتتولى هذه اللجنة التحقيق في مخالفة الطلبة التي يحيلها إليها رئيس الجامعة ولها في سياق القيام بأعمالها الاطلاع على الوثائق والمستندات المتصلة بالتحقيق في المخالفة المحالة إليها وسماع أي شاهد بالقسم أو بدونه، وعليه :
أ. تقدم لجنة التحقيق نتائج أعمالها حول المخالفة وتوصياتها فيها إلى رئيس الجامعة لاتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها وله في هذه الحالة فرض أي من العقوبات التالية الإنذار بدرجاته الثلاث الأول والثاني والنهائي ،الحرمان لمدة محدودة من ممارسة نشاط أو أكثر من الأنشطة الطلابية ، الحرمان لمدة محدودة من الاستفادة من الخدمات التي يقدمها مرفق أو أكثر من مرافق الجامعة التي ترتكب فيه المخالف، إلغاء الامتحان أو الاختبار في مادة أو أكثر وفقًا لهذا النظام، إلغاء التسجيل لمادة أو أكثر في الفصل الذي ارتكبت فيه المخالفة، الفصل من الجامعة لفصل دراسي أو أكثر، الفصل النهائي من الجامع إذا رأى أنها عقوبة مناسبة في ضوء توصيات لجنة التحقيق.
ب. إذا تبين لرئيس الجامعة أن العقوبة التأديبية الواجب فرضها على الطالب لا تدخل ضمن صلاحياته المبينة فعليه إحالة توصيات لجنة التحقيق إلى المجلس التأديبي ليتولى محاكمة الطالب وإصدار القرار الذي يراه مناسبًا بشأنه. بالإضافة إلى أن :
يؤلف مجلس الجامعة في مطلع كل عام دراسي مجلسًا تأديبيا للطلبة برئاسة عميد شؤون الطلبة في الجامعة وعضوية أربعة من أعضاء الهيئة التدريسية فيها للنظر في المخالفات التي تحال إليه من قبل الرئيس وللمجلس تعيين عضو احتياطي ليحل محل رئيس المجلس أو أي عضو أصيل يتغيب عن جلسات المجلس لأي سبب من الأسباب.
يجتمع المجلس التأديبي بدعوة من رئيسه ويصدر قراراته في المخالفات المحالة إليه إما بتبرئة الطالب أو عدم مسؤوليته أو بفرض أي من العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام عليه وتكون قراراته قطعية باستثناء القرارات الصادرة بالحكم بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة إذ يحق للطالب الذي تفرض عليه أي من تلك العقوبات أن يعترض على القرار الصادر عليه فيها إلى مجلس الجامعة خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تفهيمه القرار إذا كان وجاهيًا أو تبليغه إليه إذا كان غيابيًا.
ينظر مجلس الجامعة في اعتراض الطالب بحضوره ويصدر قراره فيه بالإجماع أو بأكثرية الأصوات بعد إتاحة الفرصة له بالدفاع عن نفسه وتقديم بيناته ويرد الاعتراض إذا تخلف الطالب عن الحضور بالرغم من تبليغه. كما ولرئيس الجامعة أن يوقع على أي طالب أيا من العقوبات المنصوص عليها\" سابقاً \" من هذا النظام في حالة حدوث اضطراب أو إخلال بالنظام في الجامعة أدى إلى عدم انتظام الدراسة فيها أو تبين له انه قد يؤدي إلى ذلك مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة . ويبلغ رئيس الجامعة أي قرار يصدره بمقتضى هذه المادة إلى مجلس الجامعة في أول اجتماع يعقده.
وطبعاً هذا غير كاف وليس بالرادع أبدا كما نرى على ارض الواقع وخاصة من الأحداث الأخيرة . والأغرب أن مادة أخرى تشير إلى أن لا يعاقب الطالب عن المخالفة الواحدة بأكثر من عقوبة تأديبية واحدة.
إن حالة وجود تعليمات للأمن الجامعي وعدم وجود نظام خاص بذلك دال على عدم إعطاء الجانب الأمني الخاص بالجامعات ما يستحقه من عناية واهتمام ! إلا يستدعي الواقع المؤلم الذي تحياه بعض الجامعات من استصدار نظام خاص بأمن الجامعات؟
ألا يجدر بالجامعات أن تتقدم بمشروعات أنظمة لمجلس العليم العالي لمناقشتها ورفعها لمجلس الوزراء لاستكمال الإجراءات الدستورية بشأنها. أليس هذا من واجباتها؟ كذلك عند مراجعة تعليمات الأمن في إحدى الجامعات الرسمية تبين ما يلي:
تنشأ في وحدة الخدمات دائرة للأمن الجامعي ويكون من ضمنها شعبة لشؤون إسكان أعضاء الهيئة التدريسية، ومن مهام الدائرة المحافظة على النظام العام داخل الحرم الجامعي وضمان حراسة كافة ممتلكات الجامعة وما فيها من منقولات سواء كانت مملوكة لها أو للغير. يناط بمدير الأمن الجامعي مسؤولية تنفيذ هذه التعليمات، وهو المسؤول بشكل خاص عن تنظيم الأمن ووضع الترتيبات اللازمة لتحقيق أهدافه، و يناط بالأمن الجامعي مراقبة جميع البوابات الرئيسية والفرعية في الجامعة على مدار الأربع وعشرين ساعة على وجه الخصوص ويتولى الأمن واجبات أخرى منها :
١. تنظيم دخول العاملين والطلبة والزوار ومنع دخول من لا يحمل بطاقة الجامعة أو تصريحًا من رئاسة الجامعة.
٢. تنظيم دخول السيارات وخروجها وتطبيق التعليمات الخاصة بذلك.
٣. إغلاق الأبواب الرئيسية ليلا وعدم فتحها إلا بعد التأكد من الشخص الداخل أو الخارج.
٤. التحقق من هوية أي شخص يشتبه به.
٥ . ألبقاء في الأماكن المخصصة لوظائفهم وعدم تركها أو استخدامها للنوم أو التجمع غير الوظيفي.
٦. عدم السماح بإدخال الأسلحة الشخصية إلى الجامعة.
٧. التعامل مع الجميع بأسلوب حازم ومهذب ينسجم مع الواجبات المنوطة بهم.
و يلتزم كل شخص يدخل حرم الجامعة أو أي مرفقًا تشرف عليه بإبراز هويته لأمن الجامعة عندما يطلب منه ذلك. ويناط بالأمن الجامعي مسؤولية القيام بحراسة كل مبنى أو منشأة أو مرفق داخل حرم الجامعة وعلى مدار أربع وعشرين ساعة، والمحافظة على المنشات والممتلكات من أعمال العبث والتخريب والسرقة وكذلك المحافظة على سلامة المزروعات والحدائق العامة في الجامعة و الإبلاغ عن أية تصرفات شاذة ومنحرفة ومعرفة مرتكبيها والإبلاغ عن أية مشاجرات تحدث في حرم الجامعة.
إن جميع هذه النقاط تأتي من باب الإبلاغ، أي أن الأمن الجامعي مقيد اليدين ومسلوب السلطة تماماً إزاء ما قد يحصل أمامه من تجاوزات ومخالفات ذات طابع إجرامي والأسئلة التي تبرز هنا بشكل واضح هي:
يبلغ من؟ وما هي صلاحيات من تم إبلاغه؟
هل وضعت خطوات وإجراءات تتخذ عند شروع احدهم بارتكاب جناية كالتي حصلت مؤخراً؟
هل تم تدريب أفراد الأمن الجامعي للتعاطي مع هكذا حالات؟
لم لا يكون جل أفراد أمن الجامعات الحاليين رجال امن سابقين أو حتى حاليين بصفة تسمح بعملهم داخل أسوار الجامعات، فيكونوا بذلك أصحاب تجربة ولديهم الخبرة والصلاحيات تمكنهم بالتصرف حسب الأصول؟
هل يعامل أفراد أمن الجامعات معاملة رجال الأمن عند حصول أعمال عنف أو شغب فلهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات؟
هل ليهم صفة قانونية تحميهم عند اتخاذهم إجراءات مثل استخدام القوة مثلاً لإيقاف العابثين والخارجين عن القانون؟
علماً بأن التعليمات لا تتهاون مع أفراد الأمن الجامعي بحيث تنص على أن من يهمل في مظهره أو في قيافته أو نظافته، يتعرض للجزاء التأديبي الذي يمكن أن يوقع عليه وفق أنظمة وتعليمات الجامعة.
لقد بات من الضروري أن يتم تثقيف الطلبة وإقناعهم بأن رد الفعل لأي أمر يجب أن يتخذ طابع الحوار العقلي وليس رد الفعل الجسدي كما أن استعانتهم بالعزوة والعشيرة في الخلافات بعيداً عن القانون ليس بالتصرف الواعي فالكلمة الفصل عند الخلاف هي لقانون الدولة وليس للكثرة والسطوة!
إن ما نشاهده بين الحين والأخر من عنف طلابي والذي وان تباعدت أزمنته لدال بوضوح على أن بعض جامعتنا تعاني من تعثر مسلكي إضافة للتعثر المالي والإداري وأنها أصبحت مصدر إزعاج مجتمعي وهذا لم يأتي إلا من وجود فراغ فكري لدى الطلبة وربما لم يتم ملؤه بالمفيد لهم ومما يساعد على ذلك خلل في التنشئة الذي يعاني منه البعض من مثيري الشغب وإنه من الضروري منع تدخل بعض عناصر المجتمعات المحلية فيما يحصل من أحداث عنف داخل الجامعات لما لها من دور سلبي في معالجتها وربما تطلب هذا استخدام أجهزة مراقبة خاصة على مداخل الجامعات وفي أبنيتها أيضا إن لم تكن موجودة أصلا؟
كما انه من المتوقع من صناع القرار في وزارة الداخلية ومجلس التعليم العالي والجامعات الاستنفار وإعلان حالة الطوارئ فوراً للبدء بوضع آليات منع تكرار مثل هذه المأساة ووضع مسودات تشريعات تعالج هذه الأمور في حال حصولها وكذلك العمل على تدريب أمن الجامعات وتمكينهم من ممارسة دورهم بالشكل الملائم، وتحديد مهام كل طرف لكي يحاسب كل بقدر مسؤوليته.