لم يكن صدفة عدم نجاح الحراكات الإحتجاجية وإخفاقها عن جذب الأردنيين إلى فعالياتها ، وإقتصار نشاطاتها على الحزبيين وأصدقائهم ، وهذا يعود ليس فقط لسبب عدم وحدة الفعاليات وإنقسامها بين ثلاثة إتجاهات ، بين الإخوان المسلمين من طرف والأحزاب القومية واليسارية من طرف أخر والحراكات الشبابية من طرف ثالث ، بل يعود أيضاً لسرعة تفهم رأس الدولة جلالة الملك للمطالب الأصلاحية ، والإستجابة لها ، والمبادرة لتقديم إجراءات وإتخاذ قرارات تلبي متطلبات المرحلة ، بما يخدم شعبنا الأردني وتطلعاته ، وأمنه وإستقراره ، ومواصلة التحولات الديمقراطية ، وتوسيع قاعدة المشاركة وصولاً لحكومات برلمانية حزبية .
مبادرة جلالة الملك في إطلاق رؤية نقاشية وحواراً جماهيرياً ، يشكل أرضية لهذا الحوار وإسهاماً حيوياً للتوقف أمام القضايا الخلافية والتحديات الصعبة والتوصل لصيغ عملية ، تسهم في حل المعضلات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي نواجهها ونعاني منها .
يتحدث الملك ، بثقة وتواضع في نفس الوقت حينما يقول " مسؤوليتي تتمحور في تشجيع الحوار بيننا كشعب يسير على طريق التحول الديمقراطي ، وتأتي ورقة النقاش هذه كخطوة على هذا الطريق " .
ومستثمراً المشهد الإنتخابي ، فيدعو " الناخبين للتصويت على أساس مواقف المرشحين من الأولويات الأساسية التي يطرحها المواطنون وليس على أساس العلاقات الشخصية أو صلات القربى " ، وبذلك يفتح جلالة الملك الأهتمام وتوجيهه نحو دفع الأردنيين للإمساك بورقة الإنتخاب بإعتبارها هادياً في عملية الأختيار وتأثيرها على مجمل المشهد النيابي وحصيلته وإنعكاساته على برامج الحكومات وخياراتها السياسية والإقتصادية .
في ورقته الأولى يقدم جلالة الملك أربعة عناوين ، بمثابة مؤشرات على شكل الحوار ومضمونه بدءاً من إحترام الرأي الأخر كأساس للشراكة بين جميع الأردنيين ، وصولاً نحو أن نكون شركاء في التضحيات والمكاسب ، مروراً بتأكيد أن المواطنة لا تكتمل إلا بممارسة واجب المساءلة وإقرار الإختلاف بدون الأفتراق ، فالحوار والتوافق واجب وطني مستمر من وجهة نظر جلالة الملك .
جلالة الملك يتحدث عن القوائم الوطنية ، فيعطيها الأولوية عن الدوائر المحلية ، وهذا مؤشر على توجهات السياسة المستقبلية ، المراد تحقيقها على المستوى الوطني ، نظراً لأن القوائم الوطنية بدت جامعة للأردنيين ، إذا لم تكن لدوافع مبدئية ، فدوافعها المصلحة تحقيقاً للنجاح ، وهذا لا يعيبها بل يزيدها ألقاً وأهمية تعبيراً عن إرادة الأردنيين ووحدتهم ، حيث بات الرهان على الفرد ، أمراً متعذراً ، بعد أن وقع النائب الفرد أسيراً لإحتياجات أفراد عائلته ومنطقته الجهوية ، ويتم ذلك على حساب باقي الأردنيين وضروراتهم .
جلالة الملك ، عبر مبادراته الشجاعة والتي قدمها عبر التعديلات الدستورية ، ها هو يقدم ورقة للنقاش والحوار سيكون لها الوقع المطلوب في تجديد نظامنا السياسي وتطويره .