مقارنة مع إمكانات شعبنا العربي الفلسطيني المتواضعة ، وقدرات منظمة التحرير وسلطتها الوطنية الضعيفة ، إسرائيل دولة قوية عسكرياً وأمنياً وتكنولوجياً وإستخبارياً ، ودولة نافذة سياسياً ، ودولة إقتصادية منتجة ، ومع ذلك فهي محشورة في الزاوية ومرتبكة ، ومشروعها الإستعماري التوسعي ، واصل لطريق مسدود ، غير قادر على وقف تغيير قناعات المجتمع الدولي الذي بدأ ينفذ صبره منها ونحوها .
نتنياهو ، محشور سياسياً أمام الأميركيين والأوروبيين ، وغير قادر على تقديم إجابات أمام الناخبين الإسرائيليين وتعارض رغبات الأغلبية الإسرائيلية ذات النهج العنصري التوسعي مع تكتيكات نتنياهو التضليلية لإظهار موقفه المتوازن ، مما يجعله متناقضاً بين ما يقوله للأميركيين والأوروبيين ، وما يفعله على الأرض من إجراءات تدميرية للبنية الفلسطينية وجغرافيتها وتشتت وجودها الإنساني وجعل أرض فلسطين طاردة لشعبها بالأفقار والتمييز والتخريب والتضييق على الناس بمنع فرص الحياة ومقوماتها عنهم .
نتنياهو زار عمان سراً ، وتم إستقباله ، على أمل أن لديه شيئاً يمكن أن يُقال أو يُسمع أوأن يكون مفيداً ، فجاء حاملاً مشروع الفدرالية ، متوهماً أن عمان لديها أطماعاً في فلسطين ، أو لديها رهاناً على حل مشاكلها عبر تل أبيب ، وجاء مقدماً دعوة لممارسة نفوذه في واشنطن عبر الكونغرس وغيره لتغطية إحتياجات الأردن وحمايته من " ثورة الربيع العربي " وعدم المساس بأمن الأردن من قبل الأميركيين عبر الإخوان المسلمين المتفاهمين مع واشنطن .
نتنياهو في زيارته لعمان سعى لتحقيق ثلاثة أغراض :
أولاً : رغب في توجيه رسالة إغراء مصحوبة بالتهديد والضغط على الأردن .
ثانياً : لديه مشروعاً للعمل على " خربطة " الأوراق السياسية ، وتعديل الإهتمامات الفلسطينية ، وإغراق منظمة التحرير بقضايا جانبية بعيداً عن برنامجها المركزي ، بعد الإنتصار السياسي والدبلوماسي والمعنوي الذي حققته منظمة التحرير يوم 29/11/2012 في الجمعية العامة للأمم المتحدة وإقرار مكانة فلسطين دولة مراقب .
ثالثاً : توجيه رسالة للرئيس أبو مازن رسالة تحذير وتخويف ورسالة ضغط مفادها أن هناك البديل عنك وعن منظمة التحرير إذا واصلت برنامجك المعادي لسياسة إسرائيل .
نتنياهو عبر رسائله التحذيرية ، رسائل الضغط ، ومحاولات تغيير الأولويات وتعديلها لم تجد الإستجابة ولا الرضى ولا القبول لدى الأردن ، لأن محاولات الأغراء لعمان ، ثمنها ضياع فلسطين على حساب الأردن ، بجعله وطناً بديلاً للفلسطينيين عن وطنهم الذي لا وطن لهم سواه ، وسيبقوا كما قال شاعر فلسطين الراحل توفيق زياد " على صدركم باقون ما بقي الزعتر والزيتون " وكل محاولات التهرب من حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، في المساواة في مناطق الأحتلال الأولى عام 1948 ، والأستقلال في مناطق الأحتلال الثانية عام 1967 ، وحق العودة للاجئين إلى المدن والقرى التي طردوا منها وإستعادة ممتلكاتهم المصادرة على أرضها ، كل هذه المحاولات لن تجد نفعاً ولن توفر لنتنياهو وحزبه وتياره وكافة المستوطنين ، لن توفر لهم مهرباً من الأستحقاق الوحيد أمامهم وهو رحيلهم عن فلسطين وتركها لأهلها وشعبها مهما بدت إسرائيل قوية وإستفزازية ومتطرفة .