نضال منصور يكتب: بالأردن .. الوزراء السياسيون لا يعجبون أحداً
نضال منصور
أثارت الورقة السياسية التي قدمها وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية بسام حدادين إلى الحكومة جدلاً سياسياً، وتسببت له بحملة نقد قاسية من أطراف مختلفة، ولا أعتقد أن الوزير حدادين ستجبره سهام النقد على الاختباء والسكوت، فقد جاء إلى كرسي الوزارة بعد ما يقارب 23 عاماً نائباً تحت القبة، عايش فيها كل مرحلة التحول الديمقراطي، وقبلها كان حدادين لعقود من قيادات العمل الحزبي السري وعايش تجرية المنفى والسجن.
لا يحسد الوزراء السياسيون في الأردن، فهم لا يعجبون أحداً، فمن جهة فإن بنية النظام الأساسية لا تثق بهم كثيراً، ومطالبين أن يثبتوا ولائهم دائماً، وفي الاتجاه الآخر فإن الصالونات السياسية لا ترحب بأن يدخل في نادي الحكومة وزراء حزبيون وسياسيون، لأن ذلك ربما يغير قواعد اللعبة في توزير أشخاص لا علاقة لهم بالعمل السياسي والعام.
الورقة السياسية التي كان من المفترض أن تكون "سرية" بعد التدقيق بها، تظهر أن حدادين اكتفى بتشخيص عام للمشكلة دون أن يدخل في التفاصيل، واتسمت ورقته بلغة سياسية حادة، خاصة في الوصف، وربما كان يريد أن يمرر الورقة وأن تحظى بتأييد "السستم" أو المؤسسة الأمنية، حتى تأخذ بعض مقترحاتها قوة دفع وتنفيذ.
وبمراجعة الورقة، فإنني أتفق مع كثير من المقترحات التي قدمها، فالمطالبة بانتخابات نزيهة مطلب لا يمكن الحياد عنه، حتى وإن كنا لا ننظر للانتخابات بأنها "حصان طروادة" لإنقاذ عملية الإصلاح، والتأكيد على أهمية "السجال السياسي الفكري المتزن مع الرأي الآخر" قاعدة أساسية لأي عمل ديمقراطي، وحياد الدولة في الانتخابات هو ما ينادي به الناس منذ عقود بعد كل عمليات التزوير للانتخابات، وحث الدولة لاتخاذ إجراءات سريعة في مكافحة الفساد أول مطالب الحراك الشعبي، والتصدي للمال الأسود الذي يستخدم في شراء الذمم بالانتخابات هو حديث الجميع الآن بعد أن تفشى وأصبح القاعدة وليس الاستثناء.
ويكمل حدادين مقترحاته بالمطالبة بالتوقف عن اعتقال النشطاء حتى لا تستغل بالتحريض ضد الدولة، والانفتاح على نشطاء الحراك، وأخيراً وضع خطة إعلامية تدعو إلى انخراط كل رموز الدولة في الترويج لأفكار وخطط الملك الإصلاحية.
مرة أخرى لا أختلف مع مقترحات حدادين، فأي دولة راشدة تريد إصلاحاً حقيقياً عليها أن تفعل ذلك، وتزداد أولوية ذلك في الأزمات والمراحل الانتقالية.
لكن مشكلة ورقة حدادين أنها عاينت أزمة المعارضة، ولم تعاين أزمة النظام، ولا يمكن اختزال المشهد بتيار ديمقراطي وتيار انعزالي، فالحقيقة الأولى أن الدولة لم تلتزم ببرنامج ديمقراطي واضح المعالم حتى وإن كان مرحلياً، وهي أول من تراجع عن مخرجات وثيقة الحوار الوطني.
والحقيقة الثانية الصعبة، أن هناك خلافات داخل مؤسسة النظام حول ماهية الإصلاح، وغايته، كانت سبباً في حالة الإرباك طوال العامين الماضيين، ولا يجوز حصر الأزمة في المعارضة، ونقول بأنها تريد كل شيء ولا تقبل بالتدرج والمرحلية، دون أن نقول ما هي أزمة الحكم أيضاً؟.
والحقيقة الثالثة بأن النظام والمعارضة صعدا إلى الشجرة، ويجدان حرجاً في النزول عنها، ويريد كل منهما أن يقدم الآخر التنازلات أولاً، حتى يجلسا مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات دون تعنت ومكابرة، فنحن نريد مساراً للإصلاح يختلف عما حدث في الربيع العربي، ولا يمكن تحقق ذلك دون المصالحة والتوافق.
يستحق الوزير حدادين التقدير على ورقته السياسية، ليس لأن هناك قواسم مشتركة مع ما يطرحه فقط، ولكنه وزير سياسي بامتياز يحاول أن يغير في قواعد عمل حكومات لم تعرف البرامج السياسية، وربما لا تريد!.