الحديث عن الفساد..قد يكون اصلاحا..وقد يكون فسادا جديدا,,,بقلم علي شهاب عضيبات
منذ عامين وأكثر تطايرت التهم بالفساد يمينا وشمالا ..والى الامام والوراء حتى عميت أبصار المبصرين..وأعتمت الافاق أمام الناظرين..ليس بسبب انعدام الفساد الذي ينتقدونه..بل بسبب المبالغه في الموضوع لسبب او لاخر ولهذا كان العنوان هو الفساد في الحديث عن الفساد..كان هناك الشرفاء الذين تحدثوا عن الموضوع بما يستحق..وكان هناك الباحثين عن الشهره ..وكان هناك الذين ركبوا الموجه..وكان هناك الفاسدين الذين حاولوا خلط الاوراق لكي تضيع معالم ما اقترفوه..وكان ايضا الجاهلين الذين يميلون الى حيث تميل الرياح
لقد كثرت الشعارات والحراكات والمطالبات ..فلم نعد نعرف من يطالب من ؟والكل يطالب ..الفقير يطالب والغني يطالب والشريف يطالب والفاسد يطالب ايضا...ولعل هذا الزمن هو الزمن الذي اخبر عنه الحبيب المصطفى عندما قال :'يبيت فيه الحليم حيرانا 'ولما صارت الفتن تطل علينا من بعيد صار لزاما علينا ان نعي حقيقة ما يجري وان نضع الامور بمواضعها والا فان الفتنه قد تأكل الاخضر واليابس
يرددون هذه العبارات ويعتقدون أن الاصلاح انما هو عباره عن مطر ينزل من السماء فترتوي منه أرضهم وتنبت بعد ذلك اشجارهم ..أما هم فلا علاقة لهم بكل شيء ..لا هم مسئولون عن نزول المطر وليس مطلوب منهم رعاية الاشجار بعد ذلك...
يخطئ من يعتقد أن رئيس الحكومه قد أنزل الله سبحانه وتعالى عليه المعجزات وأعطاه عصا سحريه اذا ضربها في البحر ينفلق كل فرق كالطود العظيم حتى يستطيع بين ليلة وضحاها أن يصلح الاخطاء التي تراكمت في العقود الماضيه ,الموضوع أكبر من ذلك,الموضوع هو موضوع تكاملي بين الحكومه والشعب وتشترك في ذلك كل مؤسسات الدوله العامه والخاصه,المواطن هو ركيزة الاصلاح الاولى.واذا لم يكن هنالك وازع داخلي عند المواطن بالاخلاص للبلد فان الحكومه لن تستطيع فعل الكثير
الله سبحانه وتعالى خلق الخلق جعل كل شيء بقدر , قال تعالى: ‘وكل شيء خلقناه بقدر’ صدق الله العظيم … ولما بعث الحبيب المصطفى رحمة للبشريةِ ، وعلم الناس النهج الصحيح في العبادات ، علمهم عدم المبالغة في العبادة وعدم إرهاق النفس في هذا الأمر لأن الله سبحانه وتعالى جعلنا امة وسطاً … والحديث الشريف عن الثلاثة رجال الذين قدموا للرسول صلى الله عليه وسلم وقال أحدهم إنه لا ينام من كثرة العبادة ، والآخر انه لا يتزوج ، والثالث يصوم الدهر ولا يفطر ، كان رد الحبيب عليهم واضحاً :’أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر , وأُصلي وأرقد , وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني’ ، والسبب هو الخشية من أن يصيب الإنسان الملل من العبادة ، فينقطع عن العبادة نهائياً .. وفي حديث آخر للرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال :’ لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة ، وخير دينكم أيسره ‘ ، وفي رواية أخرى : ‘ لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة ، وخير دينكم أيسره ‘ ، فذكر مرة المبالغة ، ومرة أخرى المغالبة … وبالنهاية كل ما ذكر ينهى عن الإفراط والمبالغة في العبادة بما يخالف السنة الشريفة … وهناك الكثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تدعو إلى وضع الأمور بمواضعها .. فضلا عن الأدب العربي الذي يزخر بالكثير من الحكم والأشعار التي تدعو لعدم التسرع والتهافت على تحقيق هدف معين..كل ذلك من اجل ان لا يحدث الملل في تفيذ شيء معين والامر كذلك ينطبق على موضوع الفساد…
وإذا كان الأمر كذلك في عبادته سبحانه وتعالى فكيف بنا إذن الحديث عن الفساد والإصلاح الذي أصبح مالئ الدنيا وشاغل الناس؟ وإني أتصور بالفعل لو أن الناس قامت بذكر الله سبحانه وتعالى بقدر ما تكلمت عن الفساد ، لأصبح منهم الأولياء والصالحين ولا نزكي على الله أحداً والله تعالى أعلم
الحديث عن الفساد مثل الدواء الذي يتناوله المريض .. فان استعمله بحكمه وبمقدار سيشفى بإذن الله ، وان أفرط في تناوله قد يهلك..ويكفي ايضا ان نسمع ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال:"اذا
قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم"
أين يكمن الحل ؟حسب رأيي ان اولى خطوات الحل هو الاعتراف بالمشكله نفسها..ولكي نكون موضوعيين فان الفساد موجود ولكن عند الحديث عنه يجب تحري الدقه والموضوعيه..وعدم المبالغه التي تؤدي الى اضعاف الروح الوطنيه وانتشار السمعه السيئه عن البلد في العالم حتى لا تنعدم الثقه في البلد..ولعل من أفضل الحلول الانخراط في الاحزاب وتشكيل الحكومات البرلمانيه بدلا من أن نبقى حيث نحن ونردد فقط العبارات التي تتحدث عن الفساد..ولعل ايضا من اقصر الطرق هو ان يبدأ الانسان باصلاح نفسه كما قال الشاعر:
يا أيــها الرجــــل المعـلـــم غــيره
هلا لنفسك كان ذا التعليــم
تصف الدواء لذي السقام وذى الضنا
كيمـا يصـح به وأنت سقيــــم
ونـــراك تصلــح بالرشــــاد عقـــولنا
وأبـدا وأنت من الرشــاد عــديــم
ابدأ بنفســك فانهــهـا عــن غيـــها
فإذا انتهــت عنــه فأنــت حكيـم