منذ إعلان قيام دولة إسرائيل فوق أرض فلسطين التاريخية بمنطق القوة وكنتيجة لصراع الامم الراغبة بحل مشكلاتها دائما على حساب قضية وشعب فلسطين ، وهي تخطط دائما ليل نهار للخلاص من شعبنا الفلسطيني ومحاولة إقفال قضيته ، للخروج من حقوقه وثوابته التي كفلتها له الشرائع السماوية والقوانين الأرضية والشرعية الدولية ، والتي بدأتها بسلسلة من المجازر الدموية التي سبقت ورافقت إعلان قيامها ، بهدف ترحيل الفلسطينيين إلى خارج أرض فلسطين ، آملة من الزمن أن يساعدها بالتخلص من أمنياتهم ، والعالم أن يشاركها بإذابتهم بعد أن يجبروا بالإرادة أو بالإكراه على نبذ هويتهم والتنكر لثقافتهم وخصوصيتهم الوطنية ، وبعد أن اكتشفت وتأكدت أنّ العالم العربي والإسلامي مهتم بقضية ومصير شعب فلسطين ، وبأنه الذراع الحاملة والرافعة للهم وللمشروع الوطني الفلسطيني والمدافعة عنه ، شنت سلسلة من الحروب على الدول العربية المحيطة بفلسطين ، بهدف إحتلال كل أرض فلسطين وأراض عربية أخرى محيطة بها لخلط الأوراق وبعثرتها ، ولمحاولة تسميم العلاقات بين شعوب وحكومات المنطقة وشعب فلسطين ، ومحاولة إلهائها وحكوماتها بمشاكلها الداخلية لإبعادهم عن الهم الفلسطيني ، ولمنع مساعدته على تحقيق حلمه وأمله بتحرير واستعادة أرضه وحقوقه .
وبعد أن تأكدت إسرائيل من قوة العلاقات التي تربط شعب فلسطين وقيادته مع كافة الشعوب والحكومات العربية التي تؤيد وتدعم القرار الفلسطيني المستقل ، خاصة مع كل تلك المؤثرة والمتأثرة بالقضية الفلسطينية ، وبعد تأكدها من متانة وصلابة الموقف الفلسطيني التفاوضي المُعنون بالثبات على الحقوق والتمسك بالثوابت ، المستند على إرادة الشعب الفلسطيني بالصمود والتصدي ، وحقه بممارسة كافة أشكال المقاومة التي كفلتها له الشرعية والقوانين الدولية ، والذي ترجمه فعليا وعمليا موقف الرئيس الفلسطيني الوطني النضالي ، المؤمن بكل الخيارات لتحقيق أهداف وآمال وحقوق شعبه ، والتي منها خيار السلام العادل والمشرف الذي ترضى عنه الأجيال اللاحقة ، بما يعنى إقامة دولة فلسطين الحرة المستقلة فوق تراب فلسطين وعاصمتها القدس ، واستعادة شعبنا لكافة حقوقه وثوابته ، مما جعلها تفقد رشدها وتتخبط بين خيار السلام وخيار الحرب والاستيطان ، لخضوعها لإبتزاز القوى اليمينية الإسرائيلية التي لا تؤمن لا بالسلام ولا بالأمن ولا حتى بمصير شعبها .
فقد مارست إسرائيل ضد السلطة الوطنية الفلسطينية منذ قيامها كمقدمة لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، كافة أشكال العداء المنبعث من عنصرية صهيونية قائمة على هدم أو محاولة تجاوز الوجود والحق الفلسطيني ، فكما هو معروف فقد قامت إسرائيل بهجومها الواسع والكبير سنة 2002م على أراضي السلطة الوطنية ، بعد أن مهدت لذلك بسلسلة من الهجومات الإعلامية المفبركة ضد القيادة وقوى الأمن الفلسطينية المستهدفة بالمطلق من العدو الإسرائيلي وعملاءه ، بهدف تدمير الأجهزة الأمنية وإرادتها بالحرية والدفاع عن حقوق ومكتسبات شعبنا ، وبهدف قتل أكبر عدد من أبناءه بهدف إرهابه لإبعاده عن قضيته وقيادته ، حتى أنها حاصرت منطقة المقاطعة وهددت الشهيد ياسر عرفات بالقتل أو الاعتقال وغيره من القيادات الفلسطينية بعد أنّ أحدثت الدبابات الإسرائيلية فتحات بجدار مقر إقامته ، بعمل فاضح ومكشوف صورته العدسات والتلفزة العربية والعالمية ، بهدف إغلاق الملف الفلسطيني بعد أنهاء عمل السلطة الوطنية الفلسطينية كما تظن وتخطط .
وبعد أن تأكدت إسرائيل اللاهية بمصير شعوب المنطقة بما فيها مصير شعبها ، بعد أن أدارت ظهرها للسلام الذي يسعى ويرغب شعبنا والعالم بتحقيقه ، وأعطت وجهها البشع للاستيطان الذي يسعى شعبنا والعالم لإنهاءه واجتثاثه ، بعد أن تأكدت من متانة الموقف الفلسطيني الشعبي والرسمي ، عزفت على وتر الخلافات الفلسطينية الداخلية وغذت شقا منها ، وذلك لإربك الصمود الفلسطيني وإلهاءه بمشاكله الداخلية ، ومحاولة إظهار الفلسطيني على أنه الخطر على السلام والأمن العالميين ، وعلى أنه لم يعد مؤهلا لإدارة دولة فلسطينية مستقلة ، لتتفرغ هي لرغبتها وأهدافها بتكثيف الإستيطان وتهويد القدس والمقدسات ولتدمير المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفيين .
وبعد نجاح الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( ابو مازن ) بربط المسار التفاوضي بوقف كافة أشكال الإستيطان غير الشرعي ونجاحه بإقناع كل دول العالم وأقطابه وأجنحته بصوابية الموقف الفلسطيني التفاوضي ، وبأنّ الفلسطيني هو من يمتلك مفتاح أمن واستقرار العالم إن نال حريته واستقلاله وحقوقه ، وأهمها حقه بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وبأنه مؤهل لإدارتها ، وبأنه الشريك الحقيقي للعالم بصنع السلام العادل والمشرف ، جنت دولة إسرائيل وكعادتها العنصرية ، فقامت بسلسلة من الهجومات ضد شخص الرئيس الذي يمثل الشرعية ، وباشرت سلسلة من الأعمال العدائية التي ترجمتها بالتغولات ضد القدس والأقصى ، وبالتوغلات بكافة مناطق السلطة بهدف إغتيال أو اعتقال أبناء شعبنا ومناضليه ، بهدف إرباك السلطة الوطنية الفلسطينية ومحاولة تعريتها أمام شعبها الذي يؤيدها ويدعمها ويقف خلفها ، والذي فهم دائما مغزى كل الأعمال والتصرفات والخروقات والإعتداءات والهجومات الإسرائيلية الهادفة للنيل منه ومن صموده وعزيمته ومن قادته وقيادته .
فكان من آخر هذه الإعتداءات العنصرية القرار رقم 1650 بصيغته التي بها كل الخطورة على شعبنا وصراعه مع المحتل ، وتحتمل الكثير من التأويل والتفسير ، والذي هدفت إسرائيل من وراءه لتحقيق عدة نقاط لكسب حربها العلنية والسرية ضد شعبنا ومكتسباته التي كان من أبرزها السلطة الوطنية الفلسطينية ، فالهدف الأول الذي أرادت إسرائيل تحقيقه من وراءه هو تجريد السلطة الوطنية الفلسطينية من صلاحياتها باحتضان أبناء شعبها الغزيين والمقدسيين ، اللذين لهم كل الحق بالعيش والتنقل في أراضيها دون عوائق أو قهر أو قمع من سلطات الإحتلال ، التي ولأسباب سياسية وعنصرية ما زالت تمانع قيام السلطة بواجباتها تجاه ابناء شعبها ، وتحاول جاهدة ابقاء حالة تقطيع أوصالها كأمر واقع يفضي لفشلها ، والهدف الثاني بعث رسالة سياسية فاشلة للفلسطينيين بصعوبة تحقيق حق العودة الذي يناضلوا من أجل تحقيقه وبما يتوافق مع القرارات الدولية ذات الصلة ، والهدف الثالث هو محاولة إرباك وإضعاف السلطة الوطنية بعد إلهائها بمشاكل مع مواطنيها لصالح ترسيخ الإنقسام الفلسطيني ، عبر محاولة إضعاف غزة بالإنقلاب والحصار والإصرار على إخراجها من معادلة الصمود والتصدي الفلسطيني ، والضفة بسياسة التجويع والتهويد والطرد والترحيل وسياسة هدم المنازل والجدار، والهدف الأبعد مدى والأخطر الذي تخطط لتحقيقه هو تجربة سياسة الترانسفير التي تحتفظ بها في خزائن عنصريتها ضد شعبنا وقضيته ، لمعرفة مدى قبول الفلسطينيين بها أو صراعهم معها للإستدلال على أقصى ردات فعلهم بمقاومتها ، ولمعرفة مدى قبول العالم أو رفضه لمثل هذه السياسة الخطيرة على أمن إسرائيل قبل أمن غيرها .
ولمواجهة هذه التحديات المصيرية التي تواجه قضيتنا وشعبنا وتشكل خطرا على وجوده وثوابته ، يتحتم على كل أبناء شعبنا وقواه وفصائله الوطنية التكاتف والتلاحم ونبذ الخلافات والفرقة ، وتحقيق المصالحة الوطنية التي يسعى إليها ابناء شعبنا وقيادته الشرعية ، وتسعى مصر وكل القوى الخيّرة بأمتنا لتحقيقها ، فالقدس والأقصى وقضية فلسطين تحتاج هذه الأيام العصيبة للجهود العملية من الجميع لمواجهة المخرز الإسرائيلي العنصري الأعمى الذي لا يفرق بين عين فلسطينية وأخرى بالكف الفلسطيني النقية الطاهرة الممدودة لمصافحة الأخوة والأهل والأشقاء ، والتي تعرف أنّ قبضتها لا ولم ولن توجه إلا للإحتلال ، ولم تحمل السلاح يوما أو توجهه إلا لصدر المعتدي على أرضنا وحقوقنا وتراثنا وثقافتنا ، والذي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني داخل الوطن وخارجه ، بقيادة الرئيس الفلسطيني الصابر الصامد المناضل محمود عباس ( ابو مازن ) بقبضته الوطنية الحامية للأرض والحقوق والآمال الفلسطينية ، المحطمة للمخططات والأحلام الصهيونية والعميلة الدائرة بفلكها والعاملة بوحيها ، وبيده الشريفة الحامية للقانون والقادرة على محاسبة من يهربوا أمامه أو يختفوا خلفه ، والمخلص لشعبه والحريص على مصير قضيته ، والجاد ببحثه عن السلام العادل والمشرف ، الذي لن يتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس فوق أرضنا الفلسطينية الحبيبة ، ونيل شعبنا المؤمن بعدالة قضيته على كافة حقوقه وثوابته .