طبيعي جدّاً أن يحصل السّطو بمواقف ومجالات مألوفة كثيرة، كالسّطو على البنوك، أو على البيوت، أو الأسواق...وغيرها بداعي المنفعة الماديّة، أمّا أن يحدث هذا السّطو على تمثيل الأمّة...؛ فالأمر مختلف تماماً ويمكن ألّا يُصدّقه الكثير وبخاصة أصحاب البناء المعرفي المُعتمِد على المجال، ودائماً ما يدركون الموقف كاملاً ولا يُركّزون على أجزائه المنفصلة كونهم أقل قدرةٍ على تحليل المواقف وإدراك العلاقات القائمة فيما بينها...، وسيبقى تساؤلهم هو: غريب...؛ كيف سيتمّ السّطو على تمثيل الأمة؟
لنرى...؛ اختلفنا أوّلاً على التّرشح وعدم التّرشح، ثم انتقلنا لاختلاف آخر الآن وهو نصوّت أو لا نصوّت، وتناسينا خلافنا الرّئيسي على قانون الانتخاب نفسه الذي لا يمكن وصفه بهذه الصّورة إلّا قانون جاذب مُغري ينجح فيه الكثير من الأُميين والمتخلّفين والوصوليين والصّنّاع، ولا ضير إن نجح (بعروتهم) القليل من الشّرفاء والوطنيين، والمثقّفين، والتكنوقراطيين...؛ فالنتيجة النّهائيّة هي: تمثيل واسع للفساد بصوره المتنوعة والمختلفة...!
ستَظهر الانتخابات بموعدها (يوم الزّينة) بمظهرٍ خارجي مزركش بألوان صُفرٍ فاقع لونها من فائض الديموقراطيّة، وهناك للأسف تحت ثوبها المورّد بالشّفافيّة عيّنة عجيبة غريبة، مُبهرجة بالتّنافر والتّناقض، وستستحلّ مقاعدها في مجلس النّواب وهي لا تمثّل بالحقيقة سوى فاسدين أقوياء يَرَون ولا يُرَون، ويتواجدون غالباً حول حرم الديموقراطيّة دون الظّهور داخله، ويقومون بتحريك (دُماهم) المُختارة في مسرحيّات عرائسهم المسلّية الهزليّة، وتمثيل أدوارهم بأسلوبٍ يجعل من يشاهدها في أشدّ حيرة، إذ أنّها تُثير فيك استجابة الضّحك والبكاء في آنٍ واحد...، تصوّر؟!
سيدخل كلٍّ واحدٍ من هؤلاء لمقعدته، وسترحّبُ كلّ مقعدة بصاحبها وستعزف له (سيفونيّتها) بغلٍّ وانتظار: (صارلي أيّام وليالي...أنطر قفاك يا غالي)، وما أن تبدأ الجلسة إلّا وتبدأ معها: ( الاستعاذة من قهر الرّجال وغلبة الدَّيْن)، وما أدراك ما غلبة الدَّين وسداده عندما يكون من عضوٍ مُحصّن إلى من قاموا بتحصينه ودعمه؟! وهل هو ديَن خدميّ أم ماديّ، أم أثناهما معاً؟ ومهما يكن...؛ فسداد وشكر الكبار صعبٌ ومختلف بالطّريقة وبالأسلوب، ويُتّفق عليه مبكّراً ومسبقاً، وأقلّه ألّا يَنسى هذا (النّائب المصنوع) لمن يعود الفضل (بِمسح وردّ رِيالته)...؛ فلن يكون لجيبه المُهترئ المثقوب، أو إلى أُميّته وعدم إلمامه بالقراءة والكتابة مثلاً، أو لشعبيّته الجارفة التي لم تتجاوز أصوات (طقطقة) مخالبه العشرين الخارجيّة أو (كركعة) جَرب أمعائه الدّاخليّة...!
ستبدأ الجلسات برئيس مجلسٍ نوّابٍ يتأبّط مطرقة لضبط فريقٍ مُشكّل غير مستوٍ – حَمسْ – وغير متجانس – من كلّ عشيرةٍ (نَضْوَه) - وأغلبه لا يفرّق بين أركان الإسلام وأركان الإيمان، وأتحدّى إن فرّق بين الموازنة والميزانيّة...؛ ومع هذا...؛ يصبحون بدعم وحماية الفاسدين ممثلي الشّعب الأردنيّ، وهكذا...؛ يضمن أولئك الفاسدون الذين يراقبون عن كثبٍ من مواقعهم ومكاتبهم وقصورهم الفاخرة المطلّة على ذلك المسرح العرائسي للدّمى الأردنيّة المُتحرّكة...؛ الموافقة المُسبقة المجّانيّة على كلّ قرارٍ تنطق به المطرقة بيد ذلك الرئيس لصالحهم، ولا يألون جهداً في حصي أو عدّ أموالهم كَمْ زادت، أو معرفة كم سرقوا بفضل تلك الجلسة...؛ وما عليهم (عشان مايخربطوا بالعد) سوى الانتظار لصباح اليوم التالي ليعرفوا كم سرقوا من أخبار جرائدهم وصحفهم اليوميّة.
وفي تلك (الزّفّة) الديموقراطيّة؛ سيُدعى الجميع ما عدا القائمين على التّربية والرّعاية (أهل العريس والعروس)، فلا علماء، ولا ديمقراطيين، ولا أحدً من العباقرة أو النّخب، فجميع هؤلاء الذين هم (أدرى بالعروس وعذريّتها والعريس وعنّته)؛ سيُغيّبون في تلك الليلة ويكونون خارجها فلا يُفقدون...؛ وسيتمّ توزيع أطباق الحلوى مُسبقاً على فئة مُعيّنة تعييناً، ويظهره انتخاباً ذلك الجو (البروتوكوليّ) المزمع...، فيصبح (---) أهمّ من (القاري) أو على أكثر حال...؛ أثناهما واحد...!
وفي (صباحيّة) العرسان المُباركة...؛ سيُقدّم لهم فطوراً مشكّلاً وطبقاً رئيسيّاً يُقسم إلى نوعين من (الحصانات) مغلّفة بقصديرٍ يمنع فسادها، ويؤجل برودتها...؛ فنصفها ينام في المجلس أثناء الجلسات والاجتماعات، والنّصف الآخر ينام في أعشاش الفاسدين، وحُجرات الحيتان، ومقابر غير الوطنيين، وأثناء شخير المجلس هنا أو هناك...؛ سيتمّ عرض قطعة للبيع بعد اقتطاعها (هذا إن بقي شيءٌ) من جسد الوطن أثناء أو بعد كلّ جلسة (تشخيريّة) ونتائجها وُضِعَت سلفاً ومعروفه.
يشعر ويعلم الجميع بأنّنا في حيرةٍ حول المشاركة وعدم المشاركة، ولكن هل الجميع يعلم بأنّ هناك (عصابة فاسدة اصطفّت وعادة بقوّة وتحمل صكّاً بالارتياح والرّضا)، وقد وضعت وطننا وشرفائه أمام خيارين أحلاهما مرّ...؟ فإمّا الإدلاء بصوتك الذي يعني توقيعك على بياضٍ باستعبادك، وإمّا عدم الإدلاء بصوتك - الخيار السّلبي - الذي يعني تعبيد الطّريق أمام الوصول السهلٍ والمُيسّر لثلّةٍ من ذوي الحالات الإنسانيّة، والعاجزين معرفيّاً وفكرياً، والمرتهنين الرّاهنين أنفسهم للفاسدين والحيتان الجدد، والمنافقين والمتزلّفين والمتمجّدين... ! وبالمحصّلة...؛ نصوّت أم لا نصوّت، فقد تمّت شيطنتنا وجعلونا جميعاً مشتركين بكبيرتهم وسطوهم على كرامة الأمة شئنا أم أبينا...!
مالحل؟
لغاية هذه اللحظّة...؛ لا يوجد أي حل، وما أعرفه هو أنّ هذه الانتخابات بهذه الطّريقة وبتلك الأسلوب؛ قد أحالت المرحلة (الانتقاليّة) من المجلس السادس عشر وحالات الفساد إلى مرحلة (انتقاميّة) من الحراك والإصلاح في السّابع عشر، وسنستمر على هذه الحالة طالما يُحْمَى ويُسْمِحُ لرجال مال بلا أعمال بممارسة زنا المحارم مع الصّحافة وأخواتها الثّلاث...! وللأسف...؛ لن تكون الأخيرة!