اسرائيل تعلن الحرب على الأردن
لا وقت لدى وزراء الخارجية العرب للاجتماع لمناقشة القرار الإسرائيلي
هل تعلن السلطة الفلسطينية حل نفسها وتنحاز لخيار المقاومة?
القرار الإسرائيلي استمرار لنكبة فلسطين وهجرة عام 1948
بلال حسن التل
لا جديد في القرار الإسرائيلي بطرد 70 ألف فلسطيني من وطنهم. فهذا القرار جزء من مسلسل إسرائيلي, يتم تنفيذه بتسارع شديد في هذه الفترة. التي تستغل فيها إسرائيل حالة الخور والوهن والهوان العربي أبشع استغلال; ايماناً منها بان العرب والمسلمين لن يمروا بفترة هوان وضعف وتفكك أسوأ من هذا الذي يعيشونه, في هذه المرحلة من تاريخهم, وتاريخ البشرية. وهي مرحلة تستغلها إسرائيل بصلف شديد واستهتار أشد بالعرب والمسلمين. بدليل انهم كلما تقدموا باتجاه ما يسمى بالسلام خطوة, ابتعدت عنه إسرائيل بممارساتها أميالاً, وكلما تقدم العرب بتنازل, واجهتهم إسرائيل بطلب المزيد, وبصفعة على وجوههم. فالعرب الذين اجتمعوا في قمة بيروت ليقدموا مبادرتهم للسلام, ردت عليهم إسرائيل باجتياح الضفة الغربية وحصار رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات, ومن ثم قتله مسموماً. وعندما قرر وزراء خارجية الدول العربية قبل قمة سرت استئناف المفاوضات مع إسرائيل خلال أربعة أشهر, ردت إسرائيل بضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى قائمة التراث اليهودي. وها هي ترد على قمة سرت التي انحازت إلى ما يسمى بعملية السلام بطرد سبعين ألف فلسطيني من وطنهم. وهو قرار يرقى في خطورته إلى مستوى قرار الحرب, بل إنه اعلان حرب خاصة على الأردن الذي يهدد القرار الإسرائيلي الجديد بطرد عشرات آلاف الفلسطينيين, أمنه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والسكاني وهو تهديد يستوجب منا في الأردن ان نكون يداً واحدة لمواجهته ومنع تنفيذه ومن ثم منع تداعياته علينا.
إن كل دلائل القرار الإسرائيلي تشير إلى أنه قرار حرب; ومن هذه الدلائل:
* أن القرار يدل على عدم اعتراف إسرائيل بالسلطة الفلسطينية. رغم كل ما قدمته هذه السلطة لإسرائيل من تنازلات وخدمات, خاصة على صعيد التنسيق الأمني. لتكافئها إسرائيل بقرار الطرد لسبعين ألف فلسطيني من وطنهم. وهو قرار يذهب إلى ما هو أبعد من عدم الاعتراف بالسلطة لأنه يؤشر على عزم إسرائيل دفنَ اتفاق أوسلو وكل ما نجم عنه وأول ذلك السلطة الفلسطينية.
* كما يدل القرار على عدم احترام إسرائيل لاتفاقية وادي عربة, الموقعة بين الحكومة الأردنية وإسرائيل. بل وما هو أكثر من عدم الاحترام. فالقرار يؤشر إلى عدم اعتراف إسرائيل بالاتفاقية لأنه يهدد الأمن والاستقرار الأردني بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وهو قرار يرتقي إلى حالة إعلان الحرب كما أشرنا سابقاً.
* كذلك يدل القرار على استهتار إسرائيلي متعمد بكل ما هو عربي, وخاصة مبادرة السلام العربية وبكل دعوات العرب للسلام والتطبيع مع العدو الإسرائيلي.
* وقبل ذلك كله فإن القرار يدل على مواصلة إسرائيل استهتارها بالقوانين والشرائع الدولية, وكذلك بالقرارات الأممية. رغم انها مدينة بوجودها لهذه القرارات. كما ان عدوانها المستمر على أمتنا محمي بالفيتو الذي تتمتع به بعض الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن الذي تدير إسرائيل ظهرها له وتضرب بقراراته عرض الحائط.
ومثلما أنه لا جديد في القرار الإسرائيلي, فإنه لا غرابة فيه. وبكل ما تفعله إسرائيل في فلسطين المحتلة. لأنها ماضية في تحقيق المشروع الصهيوني كاملاً, على أرض فلسطين. مستثمرة التشرذم العربي, الذي لم يجد وزراء خارجيته, وقتاً كافياً للاجتماع من أجل مناقشة خطورة القرار الإسرائيلي في إبعاد 70 ألف فلسطينيي, في حين سيكون لديهم الوقت كل الوقت لو طلبتهم السيدة كلينتون للمثول بين يديها.
غير استثمارها لحالة التشرذم العربي والإسلامي, لتنفيذ ما تبقّى من المشروع الصهيوني, فإن إسرائيل تتسلح لتنفيذ هذا المشروع بدعم ومساندة مطلقة من الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص. وبتواطؤ كامل من المجتمع الدولي, وعلى رأسه الدول الغربية, التي تتحدث كثيراً عن السلام, وتفعل أكثر لدعم العدوان الإسرائيلي على أمتنا. بل وحماية هذا العدوان. ولعل أبشع صور هذا الدعم, والتواطؤ الغربي مع العدوان الإسرائيلي, يتجلى في مواقف الأمم المتحدة ومجلس أمنها. فقد صار من المسلمات ان تلجأ الدول الغربية إلى اتخاذ قرارات لإدانة العرب والمسلمين في مجلس الأمن, ثم العمل بكل الطرق بما في ذلك القصف العسكري والاحتلال العسكريين لتنفيذ هذه القرارات. كما حدث في العراق وأفغانستان. لكنها تضع هذه القرارات في أدراج النسيان إذا كانت ضد إسرائيل. بدليل عدم تنفيذ إسرائيل أيا من قرارات الأمم المتحدة ابتداء من القرار 194 الخاص بالتقسيم إلى آخر قرار أصدرته الأمم المتحدة ومجلس أمنها حول قضية فلسطين. فالأمم المتحدة تغيب عندما يتعلق الأمر بحق عربي كغيابها المزري في قضية فلسطين. وتكون شديدة الحضور عندما يكون القرار ضد العرب والمسلمين كما هو الحال في دارفور والعراق وغيرها.
إن القرار الإسرائيلي الأخير, بطرد أكثر من سبعين ألف فلسطيني, يمثل استمراراً لنكبة فلسطين وتهجير أبنائها عام 1948 تلك النكبة التي سببت تشريد غالبية أبناء فلسطين من وطنهم. وهو التشريد الذي لجأت العصابات الصهيونية إلى كل الوسائل القذرة لتحقيقه, وعلى رأسها ارتكاب المجازر البشعة بحق الفلسطينيين لترحيلهم الذي لا يزال مستمراً منذ ذلك الوقت والذي يأتي القرار الجديد ليضيف حلقة بشعة إلى حلقاته.
كما أن القرار الإسرائيلي الأخير يعني بصورة من صوره تحويل فلسطين إلى سجن كبير, وفرض الإقامة الجبرية على أكثر من سبعين ألف فلسطيني, لا يستطيعون الآن مغادرة قراهم ومدنهم بل وبيوتهم, خوفاً من وقوعهم في قبضة آلة الترحيل الإسرائيلية. في أبشع ممارسة عنصرية تتم تحت نظر ما يسمى بالمجتمع الدولي. الذي شكل منطقه حظر جوي عام 1991 ليمنع نزوح الأكراد العراقيين إلى تركيا, في حين يقف مكتوف الأيدي أمام ترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم. وهو المجتمع الذي سبق له ان قاطع حكومة جنوب افريقيا بتهمة العنصرية, في حين يبارك عنصرية إسرائيل ويغض الطرف عن عمليات التطهير العرقي والطرد الجماعي اللذين تمارسهما بحق أبناء فلسطين, بالتوازي مع إزالة معالم فلسطين, بما فيها تلك التي تشكل جزءًا أساسياً من التراث الإنساني الذي يفترض في مؤسسات المجتمع الدولي المحافظة عليها.
وقف تنفيذ القرار الفلسطيني لن يكون بالشجب والاستنكار, ولا بانتظار تحرك المجتمع الدولي الذي لن يتم, لذلك فإن المطلوب ان تتحرك السلطة الفلسطينية أولاً وذلك من خلال أحد خيارين; الأول: أن تصدر لجميع أبناء فلسطين المتواجدين فوق التراب الفلسطيني جوازات سفر وأرقاماً وطنية فلسطينية, لتثبيت حقهم القانوني فوق أرضهم خاصة وان 73 دولة تعترف بجواز السفر الفلسطيني, مما يعطي لمن يحمله حجة قانونية للثبات فوق أرضه.
أما الخيار الثاني: فهو أن تعلن السلطة الفلسطينية حل نفسها, باعتبار أن القرار الإسرائيلي وسائر الممارسات الإسرائيلية تتجاهل وجود هذه السلطة, وتجعلها مجرد حبر على ورق لا قيمة له, إلا بمقدار خدمته للمخططات الإسرائيلية.
أن إعلان السلطة حل نفسها يضع ما تبقى من المجتمع الدولي أمام مسؤولياته, على ان يعقب قرار الحل خطوات عملية لمصالحة وطنية فلسطينية حقيقية تتبنى خيار المقاومة بعد أن ثبت سقوط خيار السلام الذي تضرب به الممارسات الإسرائيلية اليومية عرض الحائط.