عندما حُل مجلس النواب السابق راهن البعض وبزلة لسان على إجراء الانتخابات في موعدها، وقد أصرت الدولة وأجهزتها على التحدي، وسجل الناخبون بأعداد مقبولة، وترشح عدد كبير وغير مسبوق أيضاً، وأجريت الانتخابات في موعدها؛ بل إن العديد من أحزاب المعارضة شاركت بالانتخابات، وأشرفت الهيئة المستقلة على الانتخابات ولأول مرة، وبالنتيجة فقد فازت الدولة بالرهان.
وللدلالة على أن المقاطعة ليست قراراًعقائدياً ودائماً طرح بعض أقطاب المعارضة أفكاراً للرجوع عن المقاطعة؛ كعودة المجلس السابق، ثم تعديل قانون الانتخابات بعد التوافق عليه، أو إعلان مؤقت لحالة الطوارئ، وخلال ذلك يُصادق على قانون انتخاب توافقي، وكل ذلك رفضته الجهات المعنية. ولم تحدث المعارضة أيضاً أي فعاليات تذكر لإفشال الانتخابات.
وبعد ظهور نتائج الانتخابات حسب القانون الجديد، والذي يمنح الناخب صوتين ؛ أحدهما للدائرة المحلية والأخر للدائرة العامة، وإصرار أكبر حزب سياسي على المقاطعة، ظهرت العديد من السلبيات لتطبيق القانون.
ومن اللافت للنظر أن البعض جعل المقعد النيابي حق شخصي أو عشائري مكتسب، لا يجوز وبأي حالة عدم إحرازه، وإلا فالتظاهر وقطع الطرق، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة. بل وانبرى البعض لوصف الجهات المعنية بالانتخابات بأقذع الألفاظ ، وكان من قبل قد امتدح القانون ومنفذيه.
وسبق ذلك أيضاً إحجام العديد من الشخصيات ذات المكانة الرسمية أو العشائرية عن خوض تلك الانتخابات ، مما أعطى إشارة ما بأن المجلس سيكون مؤقتاً، ولا مبرر لهدر الوقت والمال لأجل مدة قصيرة ومحدودة.
ولعل من تشوهات القانون الحالي الصوت الواحد للدائرة؛ مما جعل بعض العشائر تفوز بأكثر من مقعد ، بالإضافة إلى فوزها بمقاعد عن الدائرة العامة، مما نتج عنه حرمان المكونات الأخرى من أي مقعد، ومن الجدير ذكره أنه ولأول مرة يفوز أخوين بمقعدين.
وإذا كان مبررالقانون _ كما يقولون _ تساوي قيمة الصوت الانتخابي، فيمكن عندئذ إيجاد أفكار أخرى تجمع الناس ولا تفرقهم، وتحافظ أيضاً على قيمة الصوت الانتخابي؛ وإن كان الصوت الواحد يصلح لدولة ما، فليس بالضرورة صلاحيته في كل الدول والمجتمعات الأخرى.
وإذ كانت المبررات التشريعية للقائمة العامة منح الأحزاب وبعض مكونات المجتمع فرصة للفوز بمقاعد في مجلس النواب، أو أنها كوتات غير مسماة، إلا أن تطبيق القانون غير المقيد لذلك، جعل من كل مجموعة أن تشكل كتلة دون أي ترابط فيما بينها، أو حتى معرفة سابقة، ومن باب أولى دون طرح أي برنامج سياسي. ولذا برزت قوائم أطلق عليها للفكاهة اسم الحي الذي خرجت منه.
وإن كانت الأجهزة المعنية قد حاولت قدر جهدها تغيير الصورة السلبية للانتخابات؛ من حيث المال السياسي والتزوير، إلا أن بعض المشاركين الخاسرين _ وهم كثر_ وبمجرد إعلان النتيجة وصف الانتخابات بغير النزيهة والمزورة، وكذلك بعض من فاز هدد بالاستقالة والانسحاب من المجلس قبل إنعقاده ؛لأن طموحه وتوقعه بالفوز بالمقاعد كان أكثر مما حازه.
وقد سارع البعض_ وخاصة الخاسرون_ بموافقة المقاطعين، وربما الانضمام إلى الأطر الحزبية لهم فيما بعد، فأحياناً لا تنال المكاسب بالمولاة، وعندئذ قد يتوصل لها بالمعارضة، والشواهد كثيرة وحاضرة. ولذا فبدلاً من تحجيم المقاطعين والمعارضين إزداد عددهم.وجعل أحد الرموز يعلن عن طلبات كثيرة للانضمام للمعارضة؛ وكل ذلك إنما هو رد فعل، ولا يدل على قناعة بالمعارضة أو برنامجها.
ولعلها الحالة الأولى في الأردن أن يعلن عن فوزعضو في مجلس النواب، وهو رئيس قائمة، ثم يعاد الفرز والتدقيق، ويفوز رئيس قائمة أخرى، ولكن بفارق 39 صوتاً!!!
وقد سارع المقاطعون للتشكيك في نسبة المشاركة، وبعضهم_ وهم قلة_ وصف على استحياء الانتخابات بالمزورة ، إدراكاً منهم بأن المجلس إن كان مزوراً وباطلاً فكل ما يصدر عنه باطل كذلك. وهم يطمحون لأن يعدل المجلس قانون الانتخاب بما يوافق رأيهم.
وقد جاءت تصريحات الملك بإشراك المقاطعين في العملية السياسية من أقوى الدلائل على أن المجلس ربما يكون مؤقتاً، حيث سيتم تعديل قانون الإنتخاب من قبل المجلس السابع عشر، ومن ثم يُصار إلى انتخابات نيابية مبكرة خلال عام _على أبعد تقدير_ وتشارك بها كافة المكونات السياسية في المجتمع.
كل ذلك يجعل المرء يشعر بأن المجلس النيابي السابع عشر مؤقت لمدة محددة، ولذا فالآمال معقودة على كل الجهات للتوافق على قانون انتخابي دائم؛ يُعيد اللحمة الاجتماعية، ويقود البلاد إلى بر الأمان، ويبرز نواباً يتمتعون بالثقة الشعبية، والكفاءة التشريعية والرقابية العالية، بالإضافة إلى سحب أي مبرر للمقاطعة. وعلى كل وكما قيل: فليس العدل في نص القانون بل في روح القاضي.