زاد الاردن الاخباري -
يصاب بالصدمة من ينظر الى أرقام موازنة عام 2013 و يقارنها بالبيانات الفعلية لمالية الدولة في العام المنصرم.
ذلك أن هذه المقارنة تثبت بأن رفع الدعم عن المحروقات لم يفلح في تخفيض عجز موازنة الدولة و لو بقرش واحد.
فالعجز الحقيقي للموازنة عام 2013 و الذي يقاس قبل المنح و المساعدات لم ينخفض مقارنة بالسنة السابقة، ليبقى عند نفس مستوى 2.2 مليار دينار.
أما الإنفاق العام للدولة الذي يشكل حجم موازنتها فلم ينخفض في موازنة 2013 بل توسع بحوالي 500 مليون دينار ليصل الى 7.5 مليار دينار مقارنة بـ 7 مليارات دينار هو مجموع ما أنفقته الدولة في 2012.
حتى الإنفاق الجاري، الذي كان بند دعم المحروقات الملغى من ضمن بنوده، فلم يشهد الا انخفاضا طفيفا بحوالي 100 مليون دينار في موازنة 2013، رغم أن الدعم الذي ادعت الحكومة الغاءه تجاوز الــ800 مليون دينار في 2012.
اذا كان العجز الحقيقي للموازنة لم ينخفض، واذا كان إنفاق الحكومة قد توسع ولم ينكمش، واذا كان الإنفاق الجاري للدولة عند نفس مستواه للعام 2012، فأين تبخرت عوائد رفع الدعم عن المحروقات؟ وأين أثر هذه الخطوة الجدلية على عجز الموازنة الذي لم ينخفض وإنفاق الحكومة الذي لم ينكمش؟ ولماذا لم تنخفض نفقات الحكومة الجارية رغم وفر سنوي قدّره وزير المالية بـــ500 مليون دينار جراء رفع الدعم عن المحروقات نهاية العام الماضي؟
بحسب ما زعمت الحكومة المستقيلة فإن قرار رفع الدعم عن المحروقات قد اتخذ بهدف تخفيض عجز الموازنة، وهذا غير صحيح على الاطلاق.
ذلك أن التمحيص في موازنة 2013 يثبت أن الوفر الذي تحقق جراء رفع الدعم عن المحروقات لم يستخدم في تخفيض العجز بل في أوجه إنفاق جديدة اهمها بند الدعم النقدي للمستحقين (300 مليون دينار) وبند الإنفاق الرأسمالي الجديد (550 مليون دينار).
أي أن ما جرى لم يتجاوز عملية إعادة تقسيم كعكة الإنفاق الحكومي بين مختلف أوجه الإنفاق من دون المساس بحجم هذه الكعكة او العجز المالي المترتب على إنفاقها.
أما المفارقة بأن الإنفاق الجاري للحكومة قد بقي ثابتا رغم الوفر المالي المزعوم بقيمة 500 مليون دينار فيمكن تفسيرها بالارتفاع الهائل الذي طرأ على فاتورة فوائد الدين العام بحوالي 250 مليون دينار، و رفع نفقات الجهاز المدني (رواتب و مكافآت) بحوالي 100 مليون دينار.
المفارقات السابقة تظهر بوضوح خطأ الرسالة الاعلامية الموجهة بهدف تسويق قرار رفع الدعم، حيث حملت هذه الرسالة تبريرات غير صحيحة و أهدافا غير حقيقية للعملية برمتها.
فقد أثبتت المعطيات المالية أن عملية الرفع لم تأت إلا لهدفين. الاول تحويل جزء من الإنفاق الجاري الى رأسمالي يدفع للنمو ويخلق فرص العمل، مع مراعاة تمكين الطبقات الادنى دخلا من مواجهة موجة الغلاء التي ستعقب القرار.
أما الهدف الثاني، و الذي لم تأت الحكومة على ذكره لا من قريب او من بعيد، فاحتواء ما طرأ على فاتورة فوائد الدين العام من ارتفاع ضخم بـــ 250 مليون دينار و بمعدل 60 بالمئة مقارنة بالعام 2012.
العبرة من الطروحات السابقة ليس لوم الرسالة الاعلامية للحكومة عقب اتخاذ قرار رفع الدعم، بل تحويل تركيز المحللين و المهتمين الى أوجه الإنفاق الجديدة التي تم إنفاق "الوفر المتحقق من خطوة رفع الدعم" على أبوابها وبنودها.
بمعنى أبسط، وبدلا من التركيز على موضوعات العجز و المديونية بشكل مجرد، من الاجدى لمجلس النواب الجديد و الحكومة القادمة التركيز على مكونات و تقسيمة كعكة الإنفاق العام للدولة.
فهل 300 مليون دينار كدعم نقدي للمستحقين و 550 مليون دينار للمشاريع الرأسمالية قسمة عادلة؟ أم أن الافضل أن يرتفع دعم المستحقين الى 500 مليون دينار و ينخفض الإنفاق الرأسمالي الى 350 مليون دينار؟
و أين تسعى الحكومة إنفاق الـ550 مليون دينار المخصصة للمشاريع الرأسمالية؟ و هل هناك مشاريع اجدى يمكن الإنفاق عليها؟ و كيف يمكن للحكومة استغلال هذه المشاريع و توزيعها جغرافيا بشكل اكثر منفعة؟
الاستحقاق الدستوري بمناقشة الموازنة العامة و اقرارها من قبل مجلس النواب سيتأتى عما قريب.
مجلس النواب القادم و الحكومة الجديدة أمام تحدي تقسيم كعكة الإنفاق و تحديد مكوناتها بالشكل الذي يحقق اكبر منفعة ممكنة للاقتصاد و المواطن.
العرب اليوم