(1-2)
بقلم : العميد المتقاعد فتحي الحمود
يدور وبشكل جدي حديث مهم ومعمق حول تعزيز الهويتين الأردنية والفلسطينية معا ...حتى لا تطغى واحدة على الأخرى . وهذا يعني إبراز الهوية الأردنية كعمل أولي نحو المحافظة على الحق الفلسطيني في أرضه , ودولته ...وفي مواجهة حقيقية وقوية للمخطط الصهيوني المتمثل بترحيل الفلسطينيين من أرضهم ضمن خطة لتفريغ الأرض وعلى الأخص القدس الشريف والتي لا يتنازل شخص واحد في العالمين العربي والإسلامي عن شبر واحد منها مهما كلفهم ذلك من تضحيات .
تصريحات جلالة الملك في شيكاغو واضحة وجلية وجلالته يحذر من حرب متوقعة في شهر تموز المقبل إذا لم يصل الجانبان لحل ...والعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط عربية وليست صهيونية ...!!!!
وحتى لا يفهم حديثنا خطأ وعلى غير ما يراد به نظرا لحساسيته وأهميته وضرورته ...فلقد أحببت اليوم وفي مقالة طويلة تتكون من جزئين ( حتى لا يمل القاريء ) ...رأيت أن من واجبي أن أقول قولتي هذه وتحديدا بعد أن وصل الحل إلى طريق مسدود , بسبب اليمين المتطرف في دولة الإحتلال الصهيوني , وسياسة إدارة الظهر لكل إتفاقات \" السلام \" الموقعة معها , ولحليفتها الأولى الولايات المتحدة الأمريكية , والسير في مخطط \" بروتوكولات حكماء صهيون \" , وأطماعهم المعروفة بالتوسع حتى ولو كان ذلك بطريقة غير مباشرة , ويهودية الدولة ...والعمل بشتى الوسائل والطرق لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم , وعلى الأخص الأردن لقناعات دينية وسياسية وعلى قاعدة أن : \" فلسطين لليهود والأردن للفلسطينيين \" ...!!!!
وأعتقد أنه آن الأوان لوضع النقاط على الحروف بحرية ومسؤولية وشفافية ...ولابد من أن يسمع عدونا ...ويسمع جيدا ...أن الأردن عصي على أسنانكم ...,انه ليس لقمة سائغة تلوكها أسنانكم المهترئة أنتم ومن يتوهم أن هذا الشيء ممكنا ...!!!!
وأرجو - سلفا - أن لا يزاودن علي أحد في الموضوع الفلسطيني لأنني أعتبره موضوعا شخصيا...وأجد نفسي طرفا في الصراع العربي الصهيوني كعربي أولا , وكأردني ثانيا ...وكمسلم ثالثا وعاشرا !!!!
فالتسليم بشبر واحد من أرض فلسطين الطبيعية عندي جريمة لا تغتفر ...وإذا كنا عاجزين اليوم أو بعد 50 عاما عن تحريرها وإعادة الحق لأصحابه الشرعيين ...فلا بأس . ولنحاول ذلك حتى يتحقق ولو بعد ألف عام ...وقد قال العرب : \" لا يضيع حق وراءه مطالب \" , وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة , ولا يفل الحديد إلا الحديد ...بالإضافة إلى قناعتي التي لا أحيد عنها أبدا , وهي أن صراعنا مع عدونا صراع وجود لا صراع حدود . و هذا كله لا يمنع الأردني ,و الفلسطيني على حد سواء من العمل على تعزيز هويته الوطنية على أرضه من دون تردد ...ومن دون سوء فهم \"متعمد\" للهدف والغاية النبيلة ...فالإعتزاز الوطني وليس الإقليمي هو مثار فخر وإعتزاز لصاحبه , لا يعيبه ولا ينقص من شأنه.
******************************************************************
كيف ؟؟؟. سؤال مشروع من حق الجميع أن يسأله . والصعوبة تكمن في إعطاء إجابة صحيحة بعيدا عن غوغائية الشارع مبنية على جملة من الحقائق التاريخية لهذا المفهوم الملتبس لدى الكثيرين من الذين لا يملكون التجربة والمعلومة !!!
وأستطيع أن أدعي وبفخر أنني أملك التجربة والمعلومة إما من خلال معايشة للواقع أو من خلال قراءات وتحليلات عديدة كونت لدي قناعات لا أحيد عنها لأي سبب ...سأحاول في هذه العجالة أن أضعها أمام من يهمهم أمر هذا التوجه أو التيار الفكري ...لعلني أساهم قدر إستطاعتي بتحديد معالم الطريق , وتوضيح الفكرة كما أفهمها وليس كما أسمعها ...وحتى لا تفسر الأفكار على غير ما أريد بها ...وبالتالي يتهم أو يوسم أصحابها بنعوت مختلفة مثل: الإقليمية الضيقة , أو التغريد خارج السرب, أو السباحة بعكس التيار !!!
وبناء على ما تقدم فإنني أرى الفكرة على شكلها التالي بحيث توضح للجميع بدون لبس أو سوء فهم وتقدير ...لأنه للأسف فلقد تعودنا في بلدنا الأردن على شيء ...وهو أن عند ذكر كلمة \" الوطني \" يتبادر لذهن الكثيرين ممن يحبون أن يصطادوا في الماء العكر ...أن \" الوطني أو الوطنية \" تعني الحديث عن \" شرقنة \" المملكة التي تضم بين جوانحها أكثر من مليونين ونصف من الأخوة من أصول فلسطينية يشكلون تقريبا نصف سكان المملكة ...وهؤلاء يحملون الجنسية الأردنية ولهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات بحسب الدستور الأردني الذي به نعتز ونفخر ...وهو المرجع الأول والأخير لتحديد معنى المواطنة بغض النظر عن العرق أو اللغة أو الدين ...وهو دستور العام 1952 والمعمول به حاليا ...وهو الدستور الذي ساوى بين كل الناس وصدر بعد وحدة الضفتين في العام 1950
بالإضافة إلى ذلك فإن الدستور نص على أن الأردن جزء لا يتجزأ من امته العربية , ودينه الرسمي الإسلام , ولغته الرسمية العربية ...ومع ذلك لم ينس من هم ليسوا عربا أو مسلمين ...فجاء النص الذي ذكرت آنفا ...وهو أن \" جميع الأردنيين متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن اللغة والعرق والدين \" وهذا يعني بالمفهوم الدستوري إعترافا بجميع الأقليات العرقية والدينية الموجودة في المملكة ...إعترافا كاملا غير مشروط أو مجزوء ...والدستور هو المرجع الأول والأخير ...ونصوصه الواضحة لا تقبل التأويل والإلتفاف حول النص لغايات تخدم فئات بعينها من دون سائر أبناء الوطن الواحد .
أما الحقيقة الثانية ...كما أراها ويراها غيري ...أعجبتنا أم لم تعجبنا ..وافقنا عليها أم إعترضنا ...فإن الوجود الفلسطيني في الأردن هو حقيقة ثابته , وهم مواطنون أردنيون حتى يختاروا \"هم\", وليس غيرهم العكس طالما أن الصراع العربي - الصهيوني قائم ...ورفض دولة الإحتلال الصهيوني للشرعية الدولية مجتمعة منذ القرار 194 مرورا بالقرارين المهمين بعد الهزيمة النكراء في العام 1967 وهما:242 و 338.
وهذه القرارات الثلاث هي المرجع والأساس لأي حل \"مقبول\" عربيا وفلسطينيا . الأول يتعلق بحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من أرضهم في العام 1948 وقيام دولة الكيان الصهيوني, وللدول المضيفة لهم .
والقرار 242 الذي يطلب من دولة العدو الصهيوني العودة إلى حدود الرابع من حزيران ( الإنسحاب ) , والثالث المتعلق بعروبة القدس الشرقية والمحافظة على الأماكن المقدسة فيها !!!
قبل العام 1967 ومنذ الوحدة 1950 وإجراء أول إنتخابات نيابية أتفق على أن تكون الوظائف العامة في جميع الوزارات والمؤسسات المدنية والعسكرية مناصفة بين الضفتين . لابل في أحيان كثيرة كانت تميل لصالح أخوتنا وأهلنا في الضفة الغربية, ولم يشعر الشرق أردنيون بأي غبن نتيجة لذلك على إعتبار أننا نعيش في وطن واحد هو ( الملكة الأردنية الهاشمية ) , ويضاف إليهم الفلسطينيون المقيمون في الضفة الشرقية قبل ال 48 وبعدها ...وهناك أمثلة كثيرة تعيش في ذاكرة من هم من أبناء ( جيل النكبة) من أمثالي لا يتسع المكان لذكرها إلا أنها معروفة . خاصة أن الأردني بشكل عام يتمتع بحس قومي فطري أساسه الطريقة التي تأسست عليها الإمارة , وأنها كانت نتاجا للثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي ومعه ثلة من أحرار العرب ...معظمهم تسلم مسؤوليات رئيسة في الإمارة وبعدها المملكة 1946 .
وإذا ما أخذنا أيضا الحركة التاريخية قبل معاهدة سيء الذكر ( سايكس و بيكو ) , ومؤتمر سان ريمو .... وفي التقسيمات الإسلامية القديمة كانتا الأردن وفلسطين مقسمتان شمالا جنوبا وليس شرقا وغربا( تقسيم عرضي وليس طوليا ) - لا زلت أذكر حديثا للمرحوم الشهيد وصفي التل , يقول فيه وبالحرف : \" لم تكن ( الشريعة ) حدا بين الأردن وفلسطين \" . كان رحمه الله يقصد أن ضفتي النهر منطقة جغرافية واحدة ...وهذا صحيح 100% !!!!.
فشمال كل من فلسطين والأردن بمن فيه جبل عامل في لبنان اليوم كان يسمى ب ( أجناد الأردن ) , وجنوب الأردن وفلسطين ما عدا معان كانت تسمى ب ( أجناد فلسطين ), اما في التقسيمات العثمانية الأخيرة ,1860 فكانت الولايات تسمى بحسب المدن الكبيرة مثل : ولاية دمشق , ولاية بيروت , ولاية طرابلس , ولاية درعا, ولاية الكرك , وهكذا دواليك...وكانت المدن الفلسطينية تابعة للولايات العثمانية على مستوى ما يعرف ببلاد الشام !!!
الحركة السكانية في تلك الأيام وقبل مجيء الدول الإستعمارية البديلة للحكم التركي ...كانت مفتوحة ...كما هو حال التنقل اليوم بين المدن في نفس الدولة ...وهو الشيء الذي يجب أن نضعه في أذهاننا جيدا ونحفظه عن ظهر قلب ...أن كثيرا من العشائر الأردنية جاءت من الجزيرة العربية إلى فلسطين , وبعد ذلك إلى الأردن, وعاد قسم منهم إلى فلسطين , وحركة من جنوب البلاد إلى شمالها ...وهناك عائلات أردنية نصفها مسلم والنصف الآخر مسيحي , ونصفها فلسطيني والنصف الآخر أردني ...وهكذا !!!!!
فالعلاقة الأردنية الفلسطينية إذن علاقة تاريخية ممتدة ولم تبدأ بلجوء أو نزوح من لجأ منهم أو نزح في العامين 48 و 67 ....وفوق ذلك فإننا يجب أن لا ننسى أو نتناسى علاقات المصاهرة بين العائلات من شرقي النهر وغربه والعكس صحيح ...إلا أن إتجاه الموظفين والمتعلمين من شرق الأردن إتجه إلى الغرب أضعافا مضاعفة ...وأستطيع أن أجزم أن نصف أخوال أولادنا من أصول فلسطينية ...!!!!
*****************************************************************
قبل الإقدام على أية خطوة يجب التفكير مليا بجميع الظروف المحيطة بالمشكلة المطروحة. وهنا علينا أن نعترف , وأن لا نهرب من \" حقيقة جديدة \" بدأت تفرض نفسها على أرض الواقع الأردني الفلسطيني , مع نشوء ما يعرف ب\" منظمة التحرير الفلسطينية \" في العام 1964 , ورعاية جلالة الملك حسين لمؤتمرها الأول في القدس الشريف في العام 1964 . والإعلان عن قيام حركة \" فتح \" بتاريخ 1-1- 1965 ...وقد شكلها مجموعة من الشباب الفلسطينيين في المهجر , وتحديدا من العاملين في دولة الكويت , متأثرين بفكر إسلامي قريب من حركة الإخوان المسلمين , وبقيادة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ( أبو عمار ) .
وهنالك إجتهاد يتبناه البعض من المحللين والمفكرين السياسيين , وهو أن الهدف من وراء تشكيل حركة فتح هو المنافسة مع الأردن على مستقبل الضفة الغربية, ظاهرها مقاومة وتحرير وباطنها ( الإعتراف بدولة الكيان الصهيوني , والتفاوض معها , والصلح على مبدأ : الأرض مقابل السلام ...., وأن السياسة هي فن الممكن ....!!!!!!!!
كل شيء جائز وليس مستهجنا ...ولو قمنا بعمل مراجعة بسيطة لمجريات الأحداث على الأرض الأردنية ما بين الأعوام ( 1968-1971 ) , وهي \"سنوات الضياع\". وهذه السنوات الأربع هي السنوات الأسوأ في تاريخ المملكة ...- وبصفتي شاهد عصر عليها عايشتها بكل تفصيلاتها المأساوية والملتبسة على كل من كان في الميدان , ولا يعرف كيف ستكون النهاية - ... بدأت مفتعلة وبمناوشات هنا وهناك بين فصائل الفدائيين - وكان جلالة الملك قد أعلن في خطاب متلفز مشهور : أنه الفدائي الأول .
تفاقمت الأمور لدرجة لم تعد محتملة ...فكان ما كان ,
وكان لا بد من حسم الأمر لصالح النظام والوطن وعلى الأخص مؤسسته العسكرية التي ضاق بها وبمنتسبيها الحال المائل ....وتحملوا ما لا يتحمله بشر من إهانات , وإعتداءات , وتهديدات, وخطف , وإمتهان للكرامة والشرف العسكري الأردني ...ووحدة كاتب هذه السطور - مثلا - كانت محاطة ب 14 قاعدة فدائية في جبل الحسين في العاصمة عمان , وفي منطقة لا تزيد مساحتها على الكيلو متر المربع الواحد !!!!
كان \" الشباب \" من كل لون وعرق ولهجة ...وقد حولوا حارات وساحات وأزقة عمان وباقي المدن والقرى الأردنية إلى ميادين للإقتتال الداخلي, ومناطق خاضعة لسيطرتهم بالكامل. وكان ضباطنا وعساكرنا يتحركون بإذن منهم , وبتصريح موقع ب \"الأحمر\"...وعندي الآف الأمثلة الشخصية ولزملاء أربأ بنفسي عن ذكرها حتى لا أنكأ جراحا كثيرة أغلقناها ...وقفزنا من فوقها ...مع أن ذكراها تؤلمني وتحزنني , وقد فقدت أعز الزملاء والأصدقاء في \" مهزلة \" لن نسمح بتكرارها مهما كلفنا ذلك من ثمن ...!!!!
الأدهى والأمر أن كشوفات مرتبات وحدات الأمن العام كانت تذهب نسخا منها للإستخبارات الفلسطينية وتعمم على الجميع ...وعندي مئات الأمثلة على ذلك ولا أقول هنا إلا جزءا بسيطا مما أعرف ...فقط لغايات الكتابة الصحفية ...ولا أرغب بالدخول في مساجلات لا يعرفها إلا من عاش المرحلة ...وهي بالمناسبة لم تترك في نفسي أي حقد أو كره من أي نوع على أحد , وإعتبرتها مرحلة ومرت ...بنيت على خطأ ...وكانت النتيجة معروفة ومحتومة سلفا ...!!!!!
وأول الناسين للمؤامرة الكبرى كان جلالة الملك حسين - رحمه الله - , وقد تعلمنا منه أن الكبار يتسامحون ...ويسمحون ...وأن الصغار يبقوا صغارا حتى وإن حاولوا النضوج أو تمثيله على الآخرين ...وما يجري اليوم على الساحة الفلسطينية يبرهن على \" الخطيئة \" الكبرى , والمجزرة التي إرتكبها زعماء العرب بضغط من \" ابو عمار \" عندما قرروا في مؤتمر الرباط وقبله الجزائر 1974و 1973 أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ( أينما وجد ) . وهذا طبعا ينطبق على الفلسطينيين الموجودين في الأردن , ويحملون الجنسية الأردنية كاملة ...لهم حقوق وعليهم نفس الواجبات المترتبة على \" الأنصار - الأردنيين \" ...!!!!!!!
****************************************************************
وما أن أفاق الفلسطينيون من هول الصدمة المدمرة .... صدمة تخلي العرب عنهم .....ووضع مسؤولية تحرير فلسطين كاملة على كاهل منظمات فدائية فلسطينية تعيش وتتسلح من مساعدات عربية قد \" تقطع \" عنها في أي وقت ...حتى وجدوا أنفسهم متورطين في حرب لبنانية داخلية شرسة في الشقيقة العزيزة لبنان ...وبدأت تحالفات مع قوى لبنانية طائفية حتى فاجأهم العدو الصهيوني بإحتلال الجنوب اللبناني 1978 ...إلى إحتلال بيروت العاصمة اللبنانية 1982 ... إلى مجزرتي مخيمي صبرا وشاتيلا.... إلى خروج الفدائيين الفلسطينيين من لبنان ( المحطة الثانية ) ..... وإستقرارهم في تونس.....( المحطة الثالثة) ....!!!!
خلال هذه الفترة إندلعت حرب الخليج الأولى ما بين العراق الحبيب وإيران الخميني ...وبسبب الخوف من
المد الخميني ( الشيعي ) ...وتكرار تجربة إسماعيل الصفوي 1552 بإحتلال العراق وتحويله لبلد شيعي بالكامل ... ودفاعا عن الإمارات العربية المتحدة , وشرق السعودية , وقف العرب جميعا مع الرئيس الراحل صدام حسين في حربه ...وأمدوه بما يحتاج من مال وسلاح ومعنويات حتى تقرر له حسم الحرب التي إستمرت 8 سنوات ( 1980 - 1988 ) ...ومن بين من ساعدوه في حربه دول الخليج وعلى الأخص الكويت الشقيق - ولقد قدر لي أن أقوم بزيارة رسمية للكويت في العام 1984 , ولمست ذلك شخصيا- , ولم أقابل كويتيا واحدا لم يكن مع \" صدام \" على الرغم من الحذر الخليجي الدائم من نظامين : الأول في طهران حتى في زمن الشاه , والثاني في بغداد في كل الأزمان....!!!
******************************************************************
...إلا أننا يجب أن نعترف هنا أنه بعد مؤتمر الرباط في العام 1974 وبعد أن إستطاع السادات والملك الحسن الثاني بمشاركة ياسر عرفات ( ابو عمار ) إستصدار القرار الشهير من مؤتمر القمة بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ...كان الهدف الخفي من ورائه : رفع يد الأردن مباشرة عن الضفة الغربية , ورفع يد مصر عن غزة , ورفع يد ولاء الفلسطينيين الموجودين في الأردن للنظام الأردني الذي إستقبلهم وأعطاهم جنسيته ووظائفه وإقتصاده وتجارته ... !!!!!!
ونتيجة لغضب جلالة المغفور له الملك الحسين, وإستيائه من ذلك القرار الخاطيء , والمعروف المقاصد ...خاصة وأن جلالته كان قد تعرض لمؤامرة إغتيال في الجزائر في العام 1973 ... وتم القبض على المجرمين في المغرب...وتم الإفراج عنهم بعد مؤتمر الرباط الذي أشرت إليه ...بصفقة تمت بين الحسن الثاني وأبي عمار بشرط التوسط في موضوع النزاع الحدودي بين الدولتين الجارتين الذي لا يزال قائما حتى يومنا هذا !!!
لا أدري كم من الشباب المتحمس والصاعد والنازل يعرف هذه التفصيلات التي لا يعرفها معظم رؤساء حكومات آخر الزمان, و وزراؤهم الذين لم تطأ أقدامهم معظم مدن المملكة , ولا أقول قراها, وأطراف باديتها !!!
على كل حال ....
قرر جلالة الملك التعامل مع الشأن الفلسطيني بشكل مختلف وقرر على إثر ذلك نقل عدد من السفراء من أصول فلسطينية إلى المركز وإستبدالهم بأردنيين وعلى أن تتم إحالتهم على التقاعد ومن ضمنهم سفراء أصدقاء لي وأعرفهم جيدا ...إلا أن الأمر لم يطل ...ولا أدري ما الذي جعل جلالة الملك التراجع عن فكرته ...وبقي الحال كما هو عليه. إلا أن التجنيد في بعض الوحدات العسكرية خف, وقل , ولا أقول أنه ألغي نتيجة لإجتهادات من بعض المسؤولين بعيدي النظر في المؤسسة العسكرية... ولكن الوظائف المدنية بقيت مفتوحة للجميع ...وأستطيع القول بأن قطاعات إقتصادية معروفة ومن بينها بنوك كبيرة أغلقت أبوابها نهائيا أما الشباب الشرق أردنيين ...عينك عينك ...والذي لا يعجبه أمامه أمران :
إما الإنتحار وإلى جهنم وبئس المصير ...أو أنه يذهب إلى البحر الميت ويشرب ماءه \" العذب!!!!\".
قرار فك الإرتباط ............
لم يكن قرار فك الإرتباط يخطر على بال أحد قبل أن تبدأ منظمة التحرير الفلسطينية التفكير جديا بتغيير نهجها بعد كل النكسات التي أصابتها , والمشاكل التي تسببت بها هي لنفسها إبتداء بالأردن وإنتهاء بلبنان الذي غرق في حرب أهلية دامت 15 عاما دمرت البلاد والعباد وذهب ضحية تلك الحرب الأهلية العبثية ما يقارب ال 100 الف لبناني وحوالي مليون لاجيء هربوا من سعير الحرب ...والتي كان الجار فيها يقتل جاره بدم بارد وبقلوب ملؤها الحقد والكره !!!
أصبحت منظمة التحرير التي تسعى إلى تحرير فلسطين عبئا على العرب ماديا ومعنويا ...وبدأ التفكير بالإعلان عن قيام دولة أو حكومة في المنفى ...وهذه الدولة بحاجة لرجال وأهال ...وبدأ الضغط من أبي عمار على جلالة الملك الحسين للإعلان عن قرار فك الإرتباط نتيجة غياب الثقة بين أبو عمار وجلالة الملك ...ودائما كان أبو عمار يعتقد بأن جلالة الملك الحسين يخطط لشيء ما في الموضوع الفلسطيني رغم تأكيدات جلالته المستمرة بأن منظمة التحرير هي الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني, ويعمل على هذا الأساس ...ولقد ذكر لي المرحوم\" العقيد محمد الرواشدة\" والذي بدأ بمرافقة أبي عمار منذ كان برتبة رائد ...أنه وفي آخر لقاء لجلالة الملك مع أبي عمار - قبل إصدار القرار - , وبعد طلب وإلحاح شديدين ...ركع أبو عمار على ركبتيه أمام جلالة الملك قائلا : \" ببوس رجليك يا جلالة الملك تعلن عن قرار فك الإرتباط ..فأنا أريد شعبا أتحدث بإسمه \" !!!!
فما كان من جلالة الملك إلا أن وعده بذلك , بعد إلحاح شديد , ورجاء ذليل ...على أن يكون الإعلان مفاجئا خوفا من هجرة معاكسة...!!!
وفعلا أعلن عن قرار فك الإرتباط في العام 1988 ...!!!!
لقد كان للقرار نتائج سلبية على الألاف ممن كانوا في الضفة الغربية تلك الليلة ( المشؤومة بالنسبة لي ) ...فربح أبو عمار وسلطته التي كان يخطط لها في الخفاء وخسر الفلسطينيون ...وإتسع الشق بين
طرفي العيش الواحد ...والمصير الواحد ...وتلاشت وحدة الضفتين للأبد ...وما أقدرنا على فسخ أية علاقة طيبة وبوسائل وطنية ...فمن فسخ وحدة مصر وسوريا , والأردن والعراق ....هو نفسه الذي فسخ وأجهز على وحدة الضفتين !!!!!
رأي قد يختلف حوله كثيرون ...إلا أنها قناعتي كمواطن أردني عربي الهوى ...أؤمن بأن قوتنا تكمن في وحدتنا ...والعكس صحيح تماما !!!!
****************************************************************
لاحظوا معي ...أن القرار جاء مباشرة بعد أن حسمت المعركة بين العراق وإيران ..., وجاء أيضا بعد إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الأولى ( 1987 ) , وما أحدثته من آثار إيجابية على الموضوع الفلسطيني ...وهو الأمر الذي جعل العدو الصهيوني يفكر مرتين أمام إنتفاضة الحجارة , وإستعداد شعب بكامله لمواجهة دبابات العدو بصدور أبنائه الغر الميامين الذين ومثلما رفعوا رأس بلدهم وشعبهم , رفعوا رؤوسنا ورؤوس كل شرفاء وأحرار العرب والمسلمين والعالم ...وأصبح أطفال الحجارة مدرسة لجميع أطفال العالم وشبابه ولا يزالوا حتى يومنا هذا ...والحمد لله تعالى أولا وأخيرا .
وهو ما سأعود للحديث عنه مجددا في الجزء الثاني من هذا المقال الطويل ....وهذا يبرهن على أن القضايا العربية متصلة ومترابطة ...شئنا أم أبينا !!!
وأبدأه بغزو العراق للكويت وتداعيات ذلك على العرب بشكل عام ...والقضية الفلسطينية ...والشعب الفلسطيني بشكل خاص ................
فتحي الحمود - الأردن
fathi.hmoud@gmail.com