واللي ما يشتري يتفرج ، الخلل ليس في أكبر رغيف مسخن في العالم ولا في أكبر سدر كنافة في العالم لتدخل فلسطين موسوعة غينيس للأرقام القياسية ، لكن الخلل في العقليات المتحجرة الرافضة لسياسات المرح والترفيه حولنا فأين المشكلة في تحويل قضايانا المصيرية ومعاناتنا التي شققت من وجعها أصلب الصخر إلى عالم مسحور مسرح كبير ، علا فيه قرع الطبول المداعب لخطوات ذاك الحمار أو قفزات ذاك القرد على أنّات المتفرجين ، أين المشكلة في بلياتشو اختفت ملامح وجهه ومعالم هويته خلف أقنعته الملونة ليجرّك إلى عالم السعادة بفنه الفكاهي وبضحكاته الساخرة من واقعنا ومعنا يضحك علينا ، وفجأة تتعلق أبصار الحاضرين بدخول سايس الأسود صاحب السوط الغليظ وخلفه زمجرات مخنوقة في قيد أقفاص الحديد ، رغم أن جميع الحاضرين يشجعون تمرد الأسود على السايس ويصفرون للأسد الذي لا يستجيب لضربات السوط الدافعة به إلى حلقات النار ، لكن إذا ما انتهى العرض الكل يصفق بحرارة للسايس محيين شجاعته المتخفية بين حقن التخدير الساكنة جيبه ولا تغرك في السيرك ضخامة الفيل ففي عالم التهريج خرطومه القادر على رفع حمولة وزنها طن يتفنن في تمرير تلك الكرة الصغيرة المشبعة بالهواء نحو مدربه التي يردها عليه بنعومة ورشاقة وكم يُعجب الجمهور بهذا المخلوق العظيم القادر على أن يسحق أي شيء أمامه وقد تحول إلى أودع من ذبابة ، وليس غريب في خيمة السيرك أن تجد الثعابين يتحلقون رقاب العارضين كأعز صديق وأحنّ رفيق بل تجد العارضين يقبّلون تلك الثعابين من فمها متناسين السموم المزروعة في أنيابها ، وفنانون يمشون على أدق الحبال المنصوبة في أعلى الخيمة يتحدّون قانون الجاذبية للأسفل سيصلون للحد الآخر من الحبل دون سقوط ينافسون راقصي الهواء المادّين من أجسادهم جسورا لعبور آفاق السماء الباحثين عن التوازن ينظرون من الأعلى بابتسامة الحالمين إلى الأعين المدهوشة التي تراهم بعيدين جدا كأنجم التصقت بسقف خيمة السيرك مهما علت ، فهم رائعون يتأمل الحاضرون لكنها لعبة خطيرة لا تستحق الحياة ثمنا لها ، وعند دخول الساحر الكل يدقق النظر باحثا عن الثغرات التي تتكسر عليها كافة خدعه البصرية وحيله المتنقلة في خفة يده فربما ستظهر الآن لكن لاجدوى تنتهي الفقرة بتحية كبيرة من الحاضرين لمخادع ماهر سحره غفلة جمهوره ، فأين المشكلة في عالم خيالي يديره بلياتشو وأنظمة بهلوانية وماذا يعني أن ثمن التذكرة وطن ؟
فدوى إبراهيم