يأتي انشاء مراكز الدراسات في جامعاتنا وفقا لاحكام القانون الذي يمنحها فرص أجراء الدراسات الخاصة والعامة من خلال استخدام اساليب البحث العلمي والاستقصاء بكافة صوره ووسائله وامكانياته المسموح بها للوصول الى نتائج تفيد صناع القرار والباحثين عن الحقيقة والمعلومة وتحقيق غايات علمية في مجالات البحث أو التدريس أو التدريب أو التاهيل أو غيرها. يندهش المتابع لشؤون الجامعات مما يلاحظه من تراجع في اداء مراكز الدراسات وتسارعها نحو الانغلاق ان لم يسعفها القدر بالاغلاق, فلسان حال الموجود منها يؤكد دخوله في غيبوبة اما البعض الاخر فهو منسوخ من الوجود كما حصل في احدى الجامعات التي استغنت عن وجوده تماماً, هذا ما تؤكده تعليماتها التي تفيد بأنه ينشأ في الجامعة مركز يعتبر الخلف القانوني لمركز الدراسات من النواحي التدريبية والاستشارية ويهدف الى تحقيق أهداف الجامعة في مجال التدريب وتقديم الاستشارات من خلال أعداد وتنفيذ البرامج التدريبية لكافة القطاعات الرسمية والخاصة وتقديم الاستشارات الفنية والإدارية للهيئات الرسمية والخاصة, اي ان تعديلا جرى بحيث الغى جانب الدراسات من اهداف المركز وبرأيي هذا تراجع ضار بمصلحة الجامعة والبيئة المحيطة بها المتمثلة بمجتمعها المحلي والوطن بشكل عام.
هذا بالاضافة الى ان الفئة المتبقية من الجامعات اتخذت قرارات جريئة وواقعية من منظورها هي من خلال عدم انشاء تلك المراكز اصلاً واكتفت بالدراسات التي تنفذها غيرها من الجامعات كبادرة حسن جوار!.
في جميع الاحوال فإن الذي يقلق عند الملاحظة في العديد من المواقع الالكترونية لمراكز الدراسات في جامعاتنا أو ما تبقى منها هو ملاحظة عدم وجود اي اثر للدراسات السابقة التي قاموا بها باستثناء ما يمكن اعتباره استفتاء على اداء مؤسسة او مجلس او تناول موضوع ذي صفة سياسية بحتة, وهذا ليس بالكثير! هل اختفاء تلك المراكز برهان يؤكد فشلها؟ وهل غياب رابط يسمح بالإطلاع على الدراسات عائد الى عدم وجودها اصلاً؟ أم انها لم تكن بالمستوى المطلوب ولا ترقى لان تعرض على صفحات المواقع الالكترونية للجامعات فحجبت من قبيل الخجل؟ ام على اعتبار أن تلك الدراسات تقع ضمن فئة سري للغاية وعليه فيجب كتمانها لفترة الثلاثين عاماً قبل اعلانها للملأ؟ ام انه لا يوجد امكانيات ودارسون وعليه يعتبر اغلاق تلك المراكز املاق؟ لا ننكر اننا نطلع على اليسير من الدراسات بين الحين والاخر ولكننا نجد انها شحيحة ولا تعالج هموم الجامعات وكأنه لا يعنيها امرها علماً بأنها ذات اولوية, فمن المواضيع التي بحاجة ماسة الى الدراسة والبحث هي :
1- تراجع مستوى التعليم الجامعي الناجم عن هجرة اعضاء هيئة التدريس.
2- تراجع مستوى التعليم الجامعي الناجم عن عدم اهتمام اعضاء الهيئة التدريسية بالأداء التدريسي واستنفاذ طاقاتهم بالعمل الاضافي لتغطية العجز المالي المرتبط بتدني دخولهم؟
3 - تراجع مستوى البحث العلمي وكمه في الجامعات الناجم عن ضيق الوقت الذي فرضه التوجه نحو العمل الاضافي.
4- مستقبل التعليم الجامعي بدالة ركود اسواق بعض التخصصات وارتفاع نسب البطالة لدى خريجي تلك التخصصات.
5- مستقبل التعليم الجامعي بدالة غياب خطط مستقبلية عشرية للجامعات والتوسع المفرط غير المدروس لدى بعضها الذي ادى الى عدم اعتماد العديد من تخصصاتها لعدم وجود البنية التحتية المناسبة وخاصة غياب العدد المناسب من اعضاء هيئة التدريس أو المرافق أو الامكانيات.
6- مستقبل التعليم الجامعي بدالة التغذية الراجعة من اماكن عمل الخريجين ومدى ملائمة الخطط الدراسية التي درسوها ومتطلبات سوق العمل, وكذلك تحديد مسؤولية التدريب والتأهيل, وهل ذلك من مهام الجامعة ام رب العمل المستقبلي وخاصة في مجال التعليم المدرسي.
ان القيام بهذه الدراسات وتعميم نتائجها هو امر مهم ومفيد للجميع وقد آن الاوان لإطلاع الرأي العام على نتاج دراسات مؤسساتنا وفكر اساتذتها التي كنا ولا نزال نفتخر بها وبمن يعمل وينتج فيها, وان قام مركز بدراسة بعضها فجهده مشكور ولكن من الضروري اشهارها وعرضها مباشرة للقراء والمتابعين اذ لا خير في علم مكتوم لا يطلع على مكنونه أحد؟! ان تجاهل القيام بالدراسات امر لا يبرر الا بالعجز او اللامبالاة ولا يمكن ان يرتبط بالإمكانيات وعليه فالخلل هو في عدم التنسيق مع اعضاء الهيئة التدريسية وتوجيههم للقيام بالدراسة كل حسب اختصاصه ومؤهلاته وقدراته ومن هنا فهي قضية ادارة وارادة معاً اكثر منها امكانيات جامعات هذا إذا سلمنا ان الفرس من الفارس؟! الحقيقة التي يجب على الجميع استيعابها والعمل على ضوئها هي أن القائمين على ادارة الجامعات وصناع القرار فيها واساتذتها انما هم مجندين لسبر غور كل المواضيع التي تهم الوطن والمواطن وذلك من خلال اجراء الدراسات خاصة تلك التي تصب في خانة التخطيط والاستشراف والتقييم فهم الذين يؤمن المجتمع بقدراتهم ويثق بهم ويصفهم باللماحين الملاحظين .
وهم فعلا الممحصون المتفكرون والمحللون المختبرون والمقارنون المناقشون والمستنتجون المتيقنون والمعلنون عن الحقيقة الموجهون لانفسهم وغيرهم الى سبل الرشاد.