لقد أثلج قلبي وزير المالية في لقاءه مع التلفزيون الأردني وهو يتحدث عن الإنجازات المالية التي تحققت خلال فترة قصيرة من الزمن لم تتجاوز 3 شهور وأدركت أن الاقتصاد مازال بخير طالما هناك مسؤولين بحجم معالي الوزير .كما قلنا في مقال سابق فإن تجزئة عجز الموازنة الحالي إلى سنتين أو ثلاثة للتخلص منه سوف يمهد لحقبة جديدة من الموازنة المتوازنة التي حققتها وزير المالية ذاته في فترة سابقة من الزمن .
رغم الشفافية الكبيرة التي تبعها الوزير في تعامله مع الإعلام المرئي والمسموع وبما لا يدع مجالاً ، \" إلا \" لنقول بأن هذه الإنجازات قد تكون مفتاح النمو الاقتصادي في العام القادم ، وبعدها يمكن القول أن الاقتصاد الأردني قد خرج من الأزمة العالمية بخسائر كبيرة قياساً لحجمه وإمكانياته ، خاصة تزايد معدلات البطالة ، وتراجع مستوى الاستثمارات الأجنبية ، وتراجع مستويات النمو التي زادت من المديونية العامة ومن عجز الموازنة ، ولكنه بالمحصلة تعافى وحافظ على الاستقرار النقدي وعلى قوة الدينار التي هي مفتاح القوة والضعف في الوقت نفسه .
ربما تحتاج الفترة القادمة إلى فريق اقتصادي متمكن ومتخصص قائم على الكفاءة وليس على المعرفة وتشابك المصالح ، وذلك بهدف متابعة إنجازات الفريق الاقتصادي الحالي رغم ضعف أداءه في كثير من الأحيان ، وربما يجب أن يكون وزير المالية الحالي على رأس هذا الفريق لما يتمتع به من خبرة ودراية في الجوانب المالية والاقتصادية وقبلها في الجوانب النقدية ، وبما يمكنه من الإطلاع الكامل على الملف الاقتصادي في المملكة ، وبالتالي القدرة على التعامل مع المشاكل والأزمات بطريقة علمية ممنهجة قائمة على الشفافية والصدق وعدم اختزال المعلومات بطريقة مضللة .
الوزير قدم في لقاءه الكثير من الأفكار والخطط التي تنوي وزارته القيام بها ، وأعتبر أن الصكوك الإسلامية مصدر مهم لتوفير الاحتياجات المالية للحكومة بأقل التكاليف ، مبتعدين عن المقامرة في مستقبل الاقتصاد الأردني واللعب على وتيرة المصالح الاقتصادية ، أو وفق حسابات البورصات العالمية ، فالفشل أو الخسارة في المرة القادمة ستكون دمار اقتصادي على أقل تقدير والعياذ بالله .
في موازنة 2011 سوف تستخدم وزارة المالية لأول مرة في الأردن نوع جديد من الموازنات تربط بين توجيه الموازنة نحو القطاعات الأكثر ريادية في المملكة أو تلك القطاعات التي يعتقد بأنها قائدة أو محركة للنمو الاقتصادي ، مع المحافظة على وتيرة النمو في بقية القطاعات الأقل أهمية ، وهذا ما نصت عليه نظرة النمو غير المتوازن للاقتصادي نركسه ، هذا القطاع سيعتبر مولداً للنمو الاقتصادي في بقية القطاعات ، وربما أن التجربة الإيرلندية استفادت من هذه النظرية و حققت النمو الاقتصادي القائم على التكنولوجيا ، واعتقد أن هذه التجربة حري استخدامها في الأردن مع مراعاة خصوصية وإمكانيات الاقتصاد الأردني ، وبالتالي اعتقد أن قطاع البنى التحتية في الأردن سوف يكون القطاع الرائد الذي يحفز النمو الاقتصادي في بقية القطاعات مع الاهتمام بإدارة القطاع السياحي بطريقة أفضل ، والاهتمام بعنصر التسويق الذي هو مفتاح التطور والنمو فيه .
كما اعتقد أن توجيه الاستثمارات الأجنبية والمحلية الجديدة بحاجة إلى خريطة حديثة تبين الاحتياجات التنموية للأردن وبنفس الوقت تتناسب مع توجهات المخطط الاقتصادي ، وتساعد على توجيه المستثمرين الجدد ، - والاستفادة من ملتقى السفراء في هذا المكان – والهدف من كل ذلك أن لا توجه تلك الاستثمارات بشكل عشوائي نحو قطاعات منخفضة القيمة المضافة ، أو نحو مشاريع مستهلكة للموارد الاقتصادية وقائمة على استغلال حاجات البلد دون أن تساهم فعلياً في تحقيق التنمية المنشودة .
الاقتصاد الأردني بحاجة إلى تبني استراتيجية للاستثمارات الضخمة ، وعدم الالتفات للمشاريع الإنتاجية الخفيفة التي تعمق من سياسات الترف الاستهلاكي ، وليس هناك مانع أن يكون لدينا مصانع جديدة للسيارات واعتقد أن العقل الأردني مؤهل للعمل بكفاءة عالية في هذا المجال ، بالتالي يجب توجيه الدعوة لتلك الشركات خاصة تلك التي تستهلك بكثرة داخل المملكة – السيارات الكورية أو اليابانية - لتوفير العملة الصعبة والمساهمة في تعزيز نمو الصادرات أكثر من المستوردات ، كما لا بد من وجود مصانع للحاسبات ومكوناتها المختلفة ، وعدم الاعتماد على سياسة التجميع التي لا تسمن ولا تغني عن جوع ، فاعتقد أن تجربة شركة ألبا هاوس جديرة بالدراسة ويجب تقديم المزيد من التسهيلات المالية والإعفاءات الجمركية التي تعمق من توطين هذه الصناعات .
اعتقد أن استمرارية عمل وزير المالية في الفترات القادمة سيحسن من الأداء الاقتصادي ، وتحديداً فإن هذا المنصب هو تنفيذي وبحاجة إلى مهارات احترافية ، لذلك وفي المستقبل يجب أن ينظر إلى هذا الموقع بنوع من الخصوصية وأن لا يكون شاغله بحكم الترضية أو لتشابك المصالح . فالوزير الحالي هو أفضل وزير مالية في الشرق الأوسط لذلك و استمراريته في المواقع الاقتصادية المتقدمة سوف يعتبر مكسب للمخطط الاقتصادية وربما يصبح ضرورة ملحة يفرضها الواقع والمنطق الاقتصادي قبل أي اعتبار آخر .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
جامعة الخرج
Nsour_2005@yahoo.com