في أحدث دراسة اجتماعية في الأردن تبين أن 40% من الفتيات في الأردن يعانين من العنوسة كما بينت دراسة أخرى أن عدد الفتيات التي تجاوزن الثلاثين من العمر دون زواج يزيد على 96 الف فتاة. هذا مع افتراض أن سن العنوسة يبدأ بعد الثلاثين بينما هو في الموروث الاجتماعي وكأعلى تقدير يبدأ بعد الرابعة والعشرين. أي بعد أن تكون الفتاة قد أنهت دراستها الجامعية والتحقت بالعمل.
أولا العنوسة ليست ظاهرة تقتصر على المجتمع الأردني فقط بل هي ظاهرة تمتد على امتداد الوطن العربي بنسب متفاوتة بين قطر وآخر وحسب المجتمع و التركيبة السكانية لهذا المجتمع. والأسباب التي تؤدي إلى العنوسة تتشابه في كثير من الأحيان وتختلف في أحيان أخرى. والغريب أن أسباب العنوسة في بعض الدول تكون سببا في العنوسة في دول أخرى. فالحالة المادية المتردية للشباب المقبلين علي الزواج في بعض الدول لا يقلل غيابها من نسبة العنوسة في دول أخرى يكون الوضع المادي فيها جيدا بل أن هذه النسبة تزداد في بعض الدول ذات الدخل الجيد لفرد عنها في الدول حيث دخل الفرد متدن كما هو الحال في بعض دول الخليج.
إذن ما هو السبب في ازدياد نسبة العنوسة؟ أسباب العنوسة كثيرة ولا يمكن حصرها في مقال قصير ولكنها جميعا تتمحور حول الأسباب المادية. فغلاء المهور ربما يعتبر السبب الأول في ارتفاع نسبة العنوسة مع العلم أن جميع الآباء يقرون أن \" أكثرهن بركة أيسرهن مهورا\" ولكن هذا الحديث يصبح فارغا من محتواه العظيم عندما يتعلق الأمر بزواج بناتهم.
وأحد الأسباب المهمة لارتفاع نسبة العنوسة هو الثقافة الاجتماعية الخاطئة حيث أن انتشار التعليم وارتفاع نسبة الفتيات المتعلمات قد قلل من الخيارات في الزواج للفتيات حيث أصبح الزوج نوعا من البريستيج أو المكانة الاجتماعية التي تحرص الفتاة وأهلها على توافرها في زوج المستقبل بحيث لا تقبل الفتاة زوجا يقل مستواه التعليمي عن المستوى الذي وصلت إليه. ولذلك نرى الفتاة تمضي السنوات (والتي تمر سريعا) وهي تنتظر فارس الأحلام وترفض المتقدمين لها حتى يأتي اليوم الذي لا تريده عندما تغادر كل العربات المحطة وتبقى وحيدة مع كبريائها التي ستهتز كثيرا تحت وطء الأيام والوحدة.
كما أن بعض الأهل يرفض تزويج الفتاة المتعلمة بحجة انه يريد الاستفادة من وظيفتها التي انفق الكثير عليها. والنتيجة أن تعليم الفتاة الذي يراد منه الارتقاء بفكرها قد لعب دورا في بعض الأحيان في تقييد هذه العقلية بمفاهيم كان الهدف من التعليم هو التخلص منها. كما أن التعليم أيضا كان سببا في العنوسة لإصرار الكثير من الشباب على عدم الزواج إلا بعد إنهاء مراحل متقدمة من التعليم كالدكتوارة مثلا.
من الأسباب الأخرى للعنوسة هو غياب الثقة في شريك المستقبل في كثير من الأحيان وذلك ناتج عن قلة الوعي الديني حيث أن الاختلاط وانتشار وسائل الاتصال وسهولة التعامل معها وبث القيم الاجتماعية الهابطة التي تتعارض مع مفهوم الزواج قد قلل من ثقة الشباب الذكور المقبلين على الزواج في شريكة المستقبل لما يراه من انحلال قيمي متناسيا أن إقباله هو على الرضا بالقيم الجديدة وممارسته لها لا يعني أن الفتاة ممنوعة عنها أو أنها في حرز من الوقوع في شراكها. ولذلك تنتهي اغلب العلاقات غير السليمة بدون زواج فلماذا تقبل لنفسك ما تحرمه على غيرك فالعفة وحسن الخلق ليس حكرا على الفتاة بل أن الشاب هو الأساس في ذلك. فإذا رفضت من اقترنت بها عاطفيا فما أدراك كيف كان حال التي ستقترن بها طوال العمر بعد ذلك. ولذلك يجب بناء العلاقات على العقل وإلا فالخير في عدم وجودها.
من الأسباب القاهرة في ارتفاع نسبة العنوسة هي الرفاهية العالية التي تعيشها بعض الفتيات وعدم الرغبة في التنازل عنها والدلال الكثير الذي تحصل عليه من الأهل وتصوير الآخرين كطامعين فيها أو متسولين على بابها وعزة النفس والتعالي عند بعض الفتيات أو الحصول على مراكز وظيفية إدارية عالية تجعل الشباب يستنكفون عن القبول بها كزوجة لمساسها بكرامتهم ومراعاة لنظرة المجتمع نحوهم.
إن أسباب العنوسة كثيرة ولكنها في مجمل الأحوال ليست غير طبيعية فالتغيير الذي حصل على تركيبة وثقافة العقد الاجتماعي قد رفعت من سن الزواج بعض الشيء. إلا أن ذلك لا يعني أن الوضع سليم بل هو وضع خطير يحتاج إلى دراسة اجتماعية متعمقة وتغيير في التفكير الاجتماعي الذي حصل مؤخرا لكي نعيد الأمور إلى نصابها. والذنب فيه ليس ذنب الفتاة وحدها ولكنه مسؤولية مشتركة يتحمل تبعاتها الجميع وتطال نتائجها السيئة تركيبتنا الاجتماعية كلها.