أثارت مقالتي (مناسف المدارس إلى متى؟) كثيراً من ردود الفعل والتعليقات والردود، دلالة أنَّها لامست وتراً حساساً، وقضية مهمة مسكوت عنها غالباً من باب الحياء الذي يلازم كثيراً من جوانب حياتنا العامة على حساب الأولويات والحقوق المضيعة.
وبداية أود أن أؤكد أنَّي في مقالتي سالفة الذكر لم أعمم، بل أشرت إلى أنَّ المناسف ظاهرة شائعة في كثير من المدارس ولم أقصد المناسف عينها، بل الضيافة بأي صورة من الصور، على حساب الضرورات والحاجات المدرسية التي يفترض أن تكون لها الأولوية.
ولا مجال هنا للتبجح بالكرم والطيبة، فمن أراد أن يكرم فعلى حسابه الخاص، وليس على حساب الطلبة ومستحقاتهم وحاجاتهم الماسة، كما أنَّ الاحتفال بالمناسبات الوطنية لا يعني الأكل والشرب، وإهدار أكثر من نصف ميزانيتها على ملء البطون، فحب الوطن يكون بالعمل المنتج والانتماء الصادق، ولا رابط بين الاحتفالات والأنشطة وبين الأكل والشرب إلا عند أشعب وشيعته.
ولا أنسى أنَّ بعض إدارات المدارس لها موقف حاسم وصارم من موضوع الضيافة، وقد قامت بشطبها من قاموسها تماماً، لأنَّها تدرك واجبها تماماً، وأن لا مجاملة على حساب الطلبة، ولا مجال لاستجداء رضا المسؤولين بوسائل دنيئة من باب \"اطعم الفم تستحي العين\"، لأن المسؤول في أدبياتهم الذي يربط بين التقرير السنوي وكمية الطعام المقدم ونوعيته، ومقدار الدلال والمجاملة على حساب العمل، مسؤول لا يستحق منصبه، بل هو مغتصب حق، ومضيع أمانة، وظالم جيل.
ومن هنا فمن الواجب أنْ أبيِّن أنَّ التبرعات المدرسية هي من جيوب الطلبة، وتجمع لأجلهم، وعليه، فإنَّه لا يجوز أنْ تصرف إلا من أجلهم ولخدمتهم، ولخدمة العملية التعليمية التي تستهدفهم. أما أنْ تنفق على طعام وشراب لقوم لا يستحقون، ويحرم منها أحق الناس بها فهذا لا يقول به عاقل أو منصف.
وقد أشار بعض من تفضل بالرد والتعليق إلى موضوع البازارات، التي تعتمد أساساً على ما يحضره الطلبة من بيوتهم، من أجل الطلبة الفقراء والمحتاجين والأيتام، ولكن ريعها للأسف يذهب هنا وهناك، دون حسيب أو رقيب، لأن مردودها لا يخضع للرقابة أو المحاسبة، ومن هنا فإني أدعو إلى وضع آلية واضحة للتدقيق على مدخلات البازارات ومخرجاتها، وضرورة أن تنفق على مستحقيها من الطلبة، لا أن تكون مصدراً للبذخ والإنفاق غير المبرر للمدارس.
كما ذكر البعض أنَّ بعض المدارس تجمع من الطلبة نقوداً من أجل الاحتفالات، وهذه لعمر الحق مصيبة وجريمة كبيرة لا يجب السكوت عليها مطلقاً، وهي أعظم من جريمة الجمع من المعلمين من أجل ضيافة من لا يعرف الحياء إلى بطونهم سبيلاً.
لا أدري كيف ينسجم مدير أو مديرة مع نفسه، عندما يطلب منه معلم تصوير ورقة عمل لا تكلف ديناراً فيرفض بحجة عدم وجود مخصصات، ولكنه لا يتوانى أن يصرف عشرات وربما مئات الدنانير على ضيافة أو مظاهر خداعة لا تقدم ولا تؤخر، بل هي تذهب هدراً على حساب الطلبة والمعلمين والعملية التعليمية التي نتغنى بها صباح مساء ونحن منها براء.
التبرعات المدرسية في العادة لا تكفي، ويذهب قسم كبير منها من أجل مصروفات عبثية، ولهذا وجب أن تنفق بحرص واقتصاد لمنفعة الطلبة وفائدتهم، ومن المعيب أن تستجدي المديريات من المدارس شيئاً، وتقتطع جزءاً من ميزانياتها لخدمة بعض أقسام المديريات، وترقيع عجزها، وتغطية على فساد بعض موظفيها.
وعلى المعلمين والمعلمات في كل مدرسة واجب المراقبة والنصح، ومن ثم الشكوى إن حدث تجاوز أو افتئات على حق الطلبة، أو محاولة حرمانهم من تبرعاتهم، تحت أي ذريعة كانت، وأربأ بأي معلم أو معلمة أن تكون مطية لأغراض شخصية، أو عوناً لأي إدارة تتنكب الصراط المستقيم، وليعلموا أن التبرعات وجميع موارد المدرسة، وما يأتيها من دعم خارجي كله لخدمة الطلبة، وتوفير بيئة تعليمية للمعلمين ليؤدوا واجبهم على أحسن ما يكون، ولا يقول عاقل أنَّ المناسف وأخواتها من سبل التعلم والتدريس. وليعلم الأحبة المعلمون أنَّ المعلم المستقيم النظيف القوي بالحق، يشكل مصدر رعب لأي إدارة فاسدة أو متجاوزة للحق، فلا يخافوا في الله لومة لائم، وليعلموا أنَّ هذه الإدارات تخافهم وترتجف رعباً منهم، فلا تجعلوا لهم عليكم سبيلاً.
وأخيراً أوجه دعوة مستعجلة لمن يهمهم الأمر، أنْ ينقذوا المدارس من الإنفاق غير المبرر، والهدر المتعمد، وتوجيه الميزانية غير وجهتها الصحيحة، والتجاوز على بنودها، وتخريجها، والتلاعب بها، والتعدي الواضح على أموال المقاصف، وصرفها في غير محلها.
mosa2x@yahoo.com