بلاد الإغريق والماضي العريق, الدولة الأوروبية , المتوسطية , الأشهر سياحياً, الأجمل مناخياً, الأرض الخضراء, الشواطئ الذهبية, آلاف الجزر الساحرة , الشعب المضياف, يستحضر أحدنا كل هذه المعاني إذا ذكرت له كلمة " اليونان " .
وفي صباح غير جميل , استفاق المواطن اليوناني - سواءً كان طفلاً رضيعاً أو عاملاً مجتهدا أو طالباً مجداً أو شيخاً طاعناً متقاعداً – على خبرين أحلاهما مر: الأول أنه مدين شخصياً بسبعة آلاف يورو ( سبعون مليار يورو ديناً عاماً متراكماً ) , والثاني أن حكومته العتيدة قد اتخذت قرارات وحزماً من القوانين من شأنها شد الحزام ليس فقط على بطون الشعب, بل قد يطال هذا الشد رقابهم.
كان أمام اليونانيين خياران لا سابع لهما: إما أن يسلموا تسليما, وأن يكتفوا بالصراخ داخل منازلهم وأن يترحموا على الأيام الخوالي, أو أن ينزلوا إلى الشوارع ويعبروا عن قرفهم من الحكومات والسلطات المتعاقبة التي أوصلتهم إلى هذه المأساة والفضيحة الدولية. لن يلوم أحدٌ اليونانيين إن فعلوا هذا , وقد فعلوا , وانتقموا لكرامتهم ولمستقبلهم المنهوب.
سيحلو للبعض – ممن يتحسسون الريشة التي فوق رؤسهم – أن يبرروا الأمر على اعتبار أن القضية لا تتعدى أن تكون أحد نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية, هؤلاء ندعوهم للاتجاه قليلاً نحو الشرق ليتدبروا التجربة التركية التي سطع نجمها في ذات الظروف, بينما كانت تزحف على بطنها زحفاً في الوقت التي كانت اليونان على ما كانت عليه من ازدهار وتقدم.
لست اقتصادياً ولا أفهم كثيراً في هذا العلم الهام, لكن تستوقفني الأرقام , وأجد أن هذا البلد الذي تساوي مساحته مجموع مساحة الأردن وفلسطين ( نسأل الله لهما الاندماج مرة أخرى على قاعدة الوطن الأصيل لا البديل ) , كما أن سكانه تقريباً نفس عدد سكان أهل الأردن وفلسطين ( الأصليين ).
الأمر المماثل الذي يستوقفني أيضاً أن حكوماتنا المتعاقبة في الأردن لم تفلح في تخفيض مديونياتها, بل نراها تزداد عاماً بعد عام. هي بالتأكيد لم تصل إلى السبعين ملياراً كما اليونان, لكن الشعب الأردني ليس مضطراً للانتظار والاكتفاء بالنظر إلى المياه المالحة وهي تتسرب إلى داخل بيته, وستبقى الحكاية اليونانية ماثلة في ذاكرته كلوحة حمراء مكتوب عليها: احذر ,,, خطر اليونان.
م. جمال أحمد راتب