بقلم: الدكتور ثابت المومني/ متخصص في أدارة مصادر المياه في الاردن
سبق وأن وعدت أهلنا وأحبتنا في عجلون والوطن أن نفتح أبواب ملفات عجلون الساخنة كسور ومسجد عجلون الكبير وما آل إليه وضع المسجد، إضافة لملف المرور والسير وعشوائية التنظيم والتخطيط في قلب المدينة وسوء الواقع الخدمي فيها إضافة لضعف المسئول في اتخاذ قرارات حاسمة في الإدارة وعجزه عن تطبيق القانون، ولكن ما جعلني استبق هذا الأمر بهذه المقالة، ما ورد في بعض صحافتنا عن نيّة الحكومة أو من هم يعملون تحت مظلتها أو باسمها أو المتملقين لها \"المتاجرة بالتجديد لشركات الديسي الزراعية !!!.
لا أعرف إن كنت قد وفّقت في صياغة هذا العنوان وبهذا الشكل خصوصا وأننا سنتحدث عن موضوع بالغ الحساسية في منطقة الديسي وما تتعرض له من تجنيّات على ثروات الوطن ممثلة بمياه عذبة تعتبر المخزون الاستراتيجي لمياه الشرب لنا وللأجيال القادمة .
لقد أصبت بالغثيان بمجرد قراءة خبر \"نية الحكومة تجديد عقود شركات الديسي الزراعية\" عبر صحافتنا التي باتت لا تتورع في فضح المستور من ممارسات أباطرة الشر والتحايل على مقدرات الوطن والمواطن....لقد أصبحت عمليات غسيل الأموال\" فنّا \" يدرّس في صالونات التحايل السياسي والاقتصادي والاجتماعي حول العالم حتى وصل الأمر إلى غسل الأدمغة والضمائر في مواطن عدّة مما أدى إلى تسويق عملية نهب مقدّرات الوطن لتصبح شيئا عاديا مباحا تحت غطاء شرعي من صاحب القرار.
لم تكن مأساتنا في الديسي بأقل من غيرها من عمليات السطو على مقدّرات الوطن وثرواته وخزائنه، ولكن وللأسف فان ما يحدث في الديسي يرتقي إلى مرتبة الجريمة التي يعاقب عليها القانون والضمير والعادات والتقاليد والمبادئ الأخلاقية والإنسانية حيث أن المياه هناك (في الديسي) تنهب على مسمع ومرأى الحكومة بأذرعها المختلفة المتخصصة.
على كل حال....كم أتمنى أن لا يكون هذه الخبر دقيقا....فقد ورد الخبر عبر صحافتنا تحت العنوان التالي (الحكومة تدرس تجديد عقد شركات الجنوب الزراعية في أراضي الديسي) معنونا بتاريخ 21 نيسان 2010، حيث أشار المصدر بأن مبررات الحكومة في تفكيرها لتجديد عقود هذه الشركات في الديسي قد استند على تقارير لجان من وزارتي المياه والزراعة !!! والتي إرتأت بأن تضع شروطا على هذه الشركات !!! تتمثل بتعهدها بتزويد السوق المحلي بجزء من احتياجاتنا من مادتي الشعير والقمح مقابل سماح الحكومة لهذه الشركات باستغلال مياه الديسي!!!...كما أشارت هذه المصادر إلى أنه من الشروط الإضافية على هذه الشركات، هو الضغط على عليها لتشغيل \"بعض\" العمالة المحلية في هذه المشاريع!!!.
إنني أرى أنهم يريدون \" ذر الرماد في العيون\"...إنهم يريدون تسويق الجريمة لتبدو شيئا عاديّا يتقبّله عامة الناس ولكن هيهات...إذا كان صاحب القرار في هذا الشأن يريد تسويق ذلك فعليه أن \"يلّعن\" الصحافة ويوم الصحافة كي لا يعلم أحدا بما يجري وان يعمل ذلك خلسة لأن المواطن لن يتقبّل أن تبقى مياهنا في الديسي رهينة مصالح وتجاذبات شركات متنفّذه تستغل مياه الديسي بطريقة لا يمكن السكوت عليها.
إنني استغرب هذه التصرفات من حكومتنا ومن يمثلها في وزارتي المياه والزراعة ومن يؤيد فكرة تجديد عقود هذه الشركات....إنني استغرب تمييع قضية ومشكلة شركات الديسي الزراعية المزمنة وما تسببه من أضرار بحق الوطن والتي وصلت إلى حد الجريمة والتي يقع عاتقها على المشرّع لهذه الشركات بان تستغل مياهنا في الديسي على هذه النحو.
إنني استغرب التقارير المؤيدة للتجديد لهذه الشركات والتي اعتبرها تقارير مضللة لا يعلم المواطن عن حقيقتها إلا اليسير.
أي \"تشريع\" هذا الذي يتيح لهذه الشركات بان تستغل مياهنا الصالحة للشرب في الديسي لغايات زراعات لا تسمن ولا تغني في شيء سوى جيوب أصحاب هذه الشركات... أي تشريع هذا الذي يسمح لهذه الشركات باستغلال أكثر من 60 مليون متر مكعب من المياه سنويا في عملية هدر غير مسبوقة لمقدراتنا المائية عبر خمس وعشرين سنة خلت....أي تشريع هذا الذي يتيح لشركات تأبى أن تدفع ما يترتب عليها من أثمان مياه تقدر بملايين الدنانير حصلت عليها بتعرفة رمزية ...أي تشريع هذا الذي يتيح لهذه الشركات بأن تستغل مياهنا في الديسي دون حسب أو رقيب، سوى تشريع يتيم لتحصيل أثمان رمزية للمياه صدر في عهد وزير المياه الأسبق الدكتور حازم الناصر.
إنهم يريدون إنتاج القمح في الديسي لتخفيف دعم الحكومة لمادة القمح في موازنتها والمقدر بـ160 مليون...إنهم يريدون تخفيف عجز الموازنة عبر استنزاف مخزوننا الاستراتيجي من المياه في الديسي....إنهم يريدون حلا مؤقتا لمشاكل آنية على حساب مشاكل مصيرية سيكون أثرها سلبيا على الأجيال القادمة.
ألا يعلم المشرّع في تجديده لهذه الشركات في الديسي بأنه يساهم في تجريد الأجيال القادمة من حقها في الحياة وشربة ماء نقية؟ ألا يعلم بأن مياه الديسي ليس ملكا له كي يتصرّف بها \"بجرّة قلم\"؟!!!،ألا يعلم ذلك المشرّع بأن إنتاج الطن الواحد من القمح في الديسي يحتاج لحوالي 2000-3000 متر مكعب من المياه؟ ألا يعلم ذلك المشرع بان تكلفة تحّلية أو إنتاج ونقل متر مكعب من المياه الصالحة للشرب من الديسي يكلف أكثر من دولار على خزينة الدولة؟ ألا يعلم المشرع بان المواطن أصبح قادرا على حساب تكلفة إنتاج طن الواحد من القمح في الديسي ، حيث يكلف حوالي 2000-3000 دولار؟ بينما يمكن استيراد الطن الواحد بحوالي 300 إلى 400 دولار أقل أو أكثر قليلا؟ ألا يعلم المشرّع بأن هذا الفعل هو عملية هدر لمقدرات الوطن؟ ألا يعلم المشرع بان منتجات هذه الشركات الزراعية تذهب لأسواق غير أردنية؟ أم أن هذا المشرّع يريد تسويق تجديد عقود هذه الشركات نزولا عند ضغوط متنفّذين متنفّعين من هذه الإجراءات؟ .
إنني استغرب هذا الاستغفال للمواطن الأردني بهذه الطريقة وكأننا لا نقرا ولا نكتب. إننا نقول لكل أولئك الذين يحاولون تجديد العقود لهذه الشركات بأنكم مسئولون أمام الله والقائد والوطن والمواطن عمّأ تقترفوه من تجني على مقدرات الوطن ممثلة بأعز ما نملكه وهو \"شربة ماء\"...لا يعقل أن نبقى نتباكى على وضعنا المائي ونصنف أنفسنا عالميا بأننا من أفقر دول العالم في المياه بينما نساهم في هدر مياهنا الصالحة للشرب بهذه الطريقة... إنني أناشد دولة الرئيس ومعالي وزيري المياه والزراعة وكل صاحب ضمير حي في هذه الوطن، إيقاف هذه المهزلة ووقف زراعات الديسي بشكل كامل مهما كانت النتائج والضغوطات المصلحيّة والاستعاضة عنها بزراعات تعتمد على مياه من مصادر أخرى كالمعالجة والمخلوطة والمالحة في غور الاردن إضافة لدعم الزراعات في المناطق الشفا غوريّة والمناطق الممطرة في عجلون والبلقاء والشراه، ودمتم.
thabetna2008@yahoo.com