من المتعارف عليه أن النطق بالحكم دائماً يأتي بعد المداولة وبعد العديد من المراحل التحقيقية وليس قبلها ، وذلك بعد التأكد ووضوح الرؤيا من حيثيات القضية بصورتها التامة التي لا ضبابية فيها على الإطلاق من حيث التعرف على شهود العيان وجمع الأدلة الدامغة والقرائن الجرمية التي تقود بالقاضى إلى النطق بالحكم ونقل الفاعل من دائرة الاشتباه إلى دائرة الإتهام الصريح ، وهذا هو واقع القضاء المتعارف عليه دولياً والقضاء الأردني وما عرف عنه من نزاهة وشفافية مطلقة ..!!
ما ساق بي إلى الحديث في هذا الجانب هو ما نعيشه ونسمعه ونقرأ عنه يومياً عن واقع مجتمعنا الحالي الذي كثيراً ما يأتي الحكم ومن كثير من الناس على الآخر قبل المداولة وليس بعدها بتهم " مغرضة " لا أساس لها قبل التعرف على العناصر المهمة للنطق بالحكم عليه وهيّ " المشاهدة المباشرة " والقرائن الملموسة ، ومنها ما هو مفتعل بقصد التجريح والتشهير بأشخاص لنا عليهم " سوء فهم " وطالت شخوص العامة والخاصة من الناس على حد سواء ، مكتفين بعنصر الكلام المنقول الذي لم يتوقف فقط على ما تنقله ألسنة البشر فحسب ، بل تجاوز ليصل وسائل التكنولوجيا الحديثة التي لا رقيب أو حسيب عليها ..!!
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) صدق الله العظيم [الحجرات:12] .. وما رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول : ( ما أطيبك وأطيب ريحك ، ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده ، لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك ، ماله ودمه ، وأن يظن به إلا خيراً ) صدق الرسول الكريم ..!!
وما يعنينا في هذا المقام هو حكمنا على الأشخاص الإعتباريين بصورة خاصة والعامة بصورة عامة ، حيث أنه لا يجوز الاحتكام للعاطفة مع التجاهل التام للعقل ، بل يجب أن يكون الحكم على الأفعال الظاهرة وليس على ما لم تراه أعيينا أو تلمسه حواسنا ، فالضمائر لا يعلم بها إلاّ الله سبحانه وتعالى ، أيّ أنه لا يمكننا إظهار نتائج أي امتحان قبل تقديمه ، ولا يمكن أن نستلذ بالطعام قبل تذوقه ، ولن نرتوي الماء إن لم نشربه . هكذا هيّ الأحكام على البشر وتحديداً الإعتباريين ، فلا يجوز الطعن بنزاهة أيّ إنسان قبل أن نرى عمله وفعله ظاهراً لا لبس فيه وهذا قد يكلفنا قليلاً من الصبر ..!!
لذلك دعونا نرقب أداء سلطات الوطن التشريعية والتنفيذية بقليلاً من العقلانية والتأني ، وافساح المجال لهم العمل بارتياح وتنفيذ كل ما يرونه مناسباً لنا وللوطن وخاصة أنهم تحت القسم على كتاب الله بأداء الأمانة التي علقت بأعناقهم ، فالله سبحانة القادر على انصافنا إن تجاوزوا الأمانة و حقوق العباد ..!!