بعد أيام قليلة يصل الرئيس الأمريكي أوباما لزيارة منطقة الشرق الأوسط، وسيكون الكيان الصهيوني محطته الأولى ثم السلطة الفلسطينة، ويختم تلك الزيارة بالأردن. وتعتبر الزيارة زمنياً طويلة بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة، كما وأن الإعلان عنها كان مفاجئاً للعديد من المراقبين ، وتأتي أيضاً بعد الانتخابات الإسرائيلية والتي حاول الرئيس الأمريكي بصورة غير مباشرة التأثير فيها لكبح جماح فوز كاسح لنتنياهو والمتطرفين الصهاينة، وتعقب كذلك الانتخابات النيابية الأردنية، وبالإضافة إلى توافق نظري وغير تام مابين عباس ومشعل، وتصاعد التوتر في المنطقة.
ولعل من الجدير ذكره أن الزيارة ستكون في ظل عدم القدرة على تشكيل حكومة صهيونية؛ مما ينزع قدرة الجانب الصهيوني على الإلتزام بأي تعهد أو إتفاق _ في حالة الوفاء بالمواثيق والاتفاقات أصلاً_ وهي لعبة صهيونية لإفراغ الزيارة من زخمها ومحتواها، ولذا كان هنالك تهديد أمريكي مبطن أن الزيارة لن تتم في حال عدم تشكيل الحكومة الصهيونية.
ومما ينبغي ملاحظته أن الإدارة الأمريكية ترفض من حيث المبدأ الحل العسكري مع إيران وهو ما تعلنه صراحة ، وعلى ما يبدو أنه لا ترتضي استخدام الحل العسكري في سوريا، أو حتى تغيير النظام كما حدث في ليبيا؛ ولذا فهي تسعى للتعديل في النظام الداخلي السوري مع بقاء رموز نظام الحكم ، ومساعدته المحدودة وتابعيه للثوار تأتي من باب الضغط والدعاية، وله على ما يبدو مبرراته لذلك؛ ولذا فالمراهنة على سقوط النظام السوري غير دقيقة، وهو ما استقر لدى بعض القادة في المنطقة.
إن زيارة أوباما للمنطقة ليست للنزهة والترفيه، رغم الإعلان أنها لا تحمل أي مبادرة سياسية، وليس لها أي أجندة محددة، إلا أنها على ما يبدو من الخطورة الكبيرة جداً على فلسطين والأردن خاصة، والمنطقة بشكل عام. إن قيام الرئيس أوباما نفسه بالزيارة وإجراء المحادثات يدل على إنسداد الأفق أمام غيره من الدبلوماسيين في إدارته، وعدم الإعلان عن هدف الزيارة الحقيقي لحفظ ماء الوجه في حال الفشل المتوقع للزيارة ، وعلى كل فالزيارة إما أن تكون لإحداث اختراق سياسي نوعي في الحل النهائي للقضية الفلسطينية. أو إنها للعمل على منع حدوث زلزال سياسي عسكري كبير ووشيك، ولا ترغب به الولايات المتحدة الأمريكية الآن ؛ مما سيؤثر على مصالحها إن وقع.
وكل المؤشرات تدل على أن الإدارة الأمريكية الحالية ستعمد للضغط على الكيان الصهيوني لإبداء التنازلات في حل القضية الفلسطينية بعد فشل المبعوث الرئاسي للشرق الأوسط ؛ وتتمثل الملامح الرئيسة للمبادرة بحل الدولتين من حيث المبدأ، ثم قيام اتحاد كنفدرالي ما بين الدولة الفلسطينية الوليدة والأردن، والحل النهائي لمشكلة اللاجئين في ذلك الكيان فقط ،وتعويضات ضخمة لمعالجة بعض الميزانيات والديون، وبطموح أكبر إنضمام الكيان الصهيوني لذلك الإتحاد ...الخ،وربما يتبعها بعض الدويلات المحدثة، أو القائمة، وتلك الحلول والأفكار ترغب الولايات المتحدة أن ترى النور وتنفذ على أرض الواقع سريعاً وقبل نهاية العام الحالي. وما قيام إسرائيل بتفجير الألغام على الحدود الأردنية إلا مؤشر على ذلك الحل.
وهنالك إرهاصات للحل النهائي للقضية الفلسطينية تشير إلى توافق كبير على الكثير من القضايا ما بين مختلف الأطراف، ، وما الزيارة إلا للعمل على اختراق كبير لبعض الملفات الخطيرة والعالقة، وخاصة القدس، فالصهاينة يصرون على أن تبقى القدس موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية.
وإذا كانت كل المبادرات السابقة قد فشلت بسبب التعنت الصهيوني أولاً، ثم مخالفتها لأبسط قواعد العدل ، وعدم اتساقها مع روح وقناعة الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي الذي يعتبر فلسطين من البحر إلى النهر أرضاً عربية إسلامية ، فإن المبادرة الحالية سيكون مصيرها ليس بأفضل من غيرها.
وأما إذا كانت الزيارة لمنع ضربة عسكرية تهدف لرفع الضغط على عدد من الأطراف، ولخلط الأوراق في المنطقة، ومن المحتمل أن تقوم بها أطراف عدة _ أكثرها إحتمالاً الكيان الصهيوني_ ؛ مما سيؤدي لملحمة عسكرية واسعة، وربما حروب دولية وأهلية كبرى ستتسع من أطراف الخليج وحتى المتوسط، ولا يمكن التنبؤ بمقدار إمتدادها، ولذا فإن كانت الزيارة تسعى لذلك فلعلها تنجح، وتستطيع أن تنزع فتيل الإنفجار الضخم ، مستخدمة العصا والجزرة، على الرغم من التصعيد العسكري والإعدادات والجاهزية العسكرية ، والمناورات الضخمة ، والحشد العسكري الكبير، بالإضافة للتعبئة النفسية والمعنوية، ولكل الأطراف.
وأخيراً ففي عام 1974قام الرئيس الأمريكي نيكسون بزيارة للمنطقة إثر حرب رمضان 1973م وتحقيق العرب لثاني إنتصار بعد معركة الكرامة، وحينها أصدرت إحدى الجماعات السياسية في الأردن بياناً بعنوان : "عُد إلى بلدك يا نيكسون" ولكن وفي ظل الربيع العربي ، يمكن أن يكون عنوان البيان اليوم : " مرحباً بك أوباما في مغارب الأرض المقدسة المباركة ومشارقها".