مئات الألوف هن الأردنيات البائسات اللواتي تحولت حياتهن، بل حولناها، إلى جحيم، لأنهن تورطن بممارسة حق إنساني ضمنه لهن الدستور الأردني ومن قبله الشرع، فاقترنّ برجال لا يحملون الجنسية الأردنية! لمن لا يعرف، والحكومة الرشيدة حتماً تعرف، تكابد عائلات الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين حياة في منتهى الصعوبة والمشقة والإذلال، فهي تواجه الكثير من المعاناة العملية الفظيعة فيما يتعلق بمسائل التعليم والعمل والسفر والإقامة والعلاج وزواج الأبناء...الخ، ناهيك عن المعاناة النفسية الهائلة المترتبة عن الشعور بالتهميش والظلم والافتقار إلى الأمان والاستقرار وتشظي الهوية ...الخ. الذين يؤيدون الحرمان الجائر للأردنيات من حقهن في منح أزواجهن وأطفالهن الجنسية الأردنية ربما يتذرعون بالقانون الذي يمنع الجمع بين جنسيتين عربيتين، غير أنهم يتناسون الدستور الأردني، سيد القوانين ومصدرها، الذي يقول لهم إن الأردنيين سواء، لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو بسبب أي عامل كان، وكأني ببعض الناس يؤمن ببعض الكتاب التشريعي الناظم لحياتنا ويكفر ببعض؛ حرصاً على مصالح أنانية ضيقة، ألا ساء ما يحكمون! وبمحاولة فهم السبب الحقيقي الذي يقف خلف استمرار مأساة تلك الشريحة الكبيرة من الأردنيات وعائلاتهن، عبر حرمانهن من حقهن في تمرير جنسيتهن الأردنية إلى أزواجهن وأبنائهن، أسوة بمواطنيهن الرجال الذين يتمتعون بذلك الحق؛ نكتشف أن كابوس التوطين اللعين يكمن هناك بالمرصاد، فالبعض يخافون أن تختل المعادلة السكانية إذا ما حظي مئات الألوف من الأردنيات بالحق في إعطاء الجنسية لأزواجهن الفلسطينيين على وجه التحديد! فإلى متى سيظل ذلك الكابوس البشع يطل علينا بوجهه القبيح ليمنعنا من الوقوف إلى جانب الحق واتباع الدستور وتنفيذ ما يُلزمنا به من معاملة جميع مواطنينا بعدالة ومساواة!؟ لماذا لا يريد البعض أن يفهم أن كل فرد ينضاف إلى قائمة حملة الجنسية الأردنية يشكل في واقع الأمر مكسباً للوطن وإثراءً له!؟ إنها مأساة معيبة وكارثية أن نفكر بعقلية أنانية جشعة لسان حالها يقول بأننا ننظر إلى الساعي للتدثر بعباءة الجنسية الأردنية، وهو لا يطالب إلا بحق مشروع له، كعدو جاء كي يسرق قوت عيالنا ويلوث الهواء من حولنا! أهذه هي أخلاق النبالة والكرم والمروءة والشهامة والعروبة التي نتشدق بالحديث عنها صباح مساء!؟ أهذا هو فهم البعض لرسالة الثورة العربية التي قام الأردن على مقولاتها، التي جعلت أبناء الحجاز والعراق وفلسطين والشام ولبنان والقوقاز ... يتآخون على قلب رجل واحد، فيتقاسمون بينهم رغيف البركة، وتتلاشى من بينهم الصغائر والوضاعات الإقليمية من أجل بناء هذا البلد!؟ إبن الأردنية، ممن نحرمه من حمل جنسية أمه، يعيش في واقع الحال على أرض الأردن، ويمكن له إذا ما أكرمناه وأحسنّا وفادته وعاملناه كابن حقيقي لنا، أن يصبح قرة عين للوطن وأهله، بدلاً من أن نملأ قلبه بالحقد والكراهية لنفسه ولعائلته ولمجتمعه لشعوره بالنبذ والحرمان والتجاهل وسلبه حقاً أساسياً من حقوقه! فلماذا ترانا نجعل ذلك المسكين يحس وكأنه بين الأيتام على موائد اللئام!؟ لقد شاءت الأقدار أن ترتبط أمه بأبيه الفلسطيني ـ العربي أيضاً حتى لا ننسى ـ وشاءت تصاريف السياسة ومؤامراتها أن لا يجد والده في كثير من الأحيان مكاناً يلجأ إليه إلا الحمى الأردني، بل إنه ـ فيما يفترض ـ قد بات واحداً منا بعد أن صاهرناه وأعطيناه ابنتنا وأمنّاه على عرضنا، فهل نبخل على ذلك الرجل هو وأطفاله بما يعطيهم الإحساس بأنهم ينتمون إلينا بالفعل، وبأننا نعترف حقاً بهم، ونحلهم المكانة التي يستحقون منا وبيننا!؟ لا أفهم جدياً ما الذي سيضير أي واحد منا إذا ما أصبح عدد الأردنيين سبعة ملايين أو عشرة، ألا يجيء هؤلاء يا من تؤمنون بالله وبرسوله ورزقهم معهم، كما آب مئات الألوف من ضحايا حرب الخليج وأرزاقهم معهم!؟ ألن يسهم هؤلاء كما أسهم إخوة لهم من قبل في إعمار هذا البلد ورفع رايته في محافل الدنيا! هل سيموت أحدنا جوعاً لأن هناك من سينتزع اللقمة من فمه!؟ لقد استقبل الأردن ملايين العراقيين خلال السنوات الأخيرة مثلاً، فهل حرمنا وجود أولئك الإخوة الأحبة من أن نعيش!؟ ربما ضغطوا قليلاً على موارد البلد كما قد يحلو لبعض الذين غلب عليهم الشح والحسابات الضيقة أن يقول، إلا أنهم أغنوا ولا شك حياة مدننا وصبغوها بألوان وخبرات جميلة بهية، بل إنهم أثبتوا أن هذا البلد ـ ولو تحت منطق من يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة ـ قادر على احتضان المزيد والمزيد من الطاقات التي يحتاجها لتأجيج نيران مواقد التنمية والتعمير المشتعلة فيه. ألا حقاً إن من يوق شح نفسه يا أبناء الأردن فقد فاز! صدقوني إن من قد يحرم الأردنيين من رغيف خبزهم أو يهدد أمنهم وهويتهم ليس هو الذي يصبح أخاً لهم، يتساوى معهم في الحقوق والواجبات، ويشاركهم المغارم قبل المغانم، ويغدو مستعداً للتضحية بحياته في سبيل وطنه الذي يعيش على ترابه ويتنفس هواءه، وإنما هو الفاسد الجاحد الذي يعيث سرقة واختلاساً ونهباً في مقدرات الوطن وأهله، محاولاً أن يحتمي بشعارات وطنية كاذبة، تخفي ما في صدره المريض الآثم، والله مبديه ولو بعد حين! كندا، من باب التمثيل، تستقبل كل عام ـ بسعادة وابتهاج وحنو ـ مئات الألوف من المهاجرين من سائر أصقاع الدنيا، لكن أحداً هناك لم ينبر ليقول: توقفوا، فإذا لم تحجموا عن استقبال وفود المهاجرين، فإن البلد ستفقد اسمها وهويتها عما قريب، وكندا لن تظل هي كندا! أما أنا فأقول: الأردن سيبقى دائماً وأبداً هو الأردن! فهل وصلت الرسالة يا أولي الألباب!؟ د. خالد سليمان sulimankhy@gmail.com