لا أحد ينكر أن العشائرية بحلوها ومرها, تعد ركيزة أساسية من ركائز الدولة الأردنية, وأنها تشكل نظاما اجتماعيا محوريا في تركيبة المجتمع الأردني, القائم بالأصل على النظام العشائري, والذي بُنيت على أساسه الدولة الأردنية .
وكما أن النظام العشائري له ما له من الجوانب الإيجابية, إلا أنه لا يخلو من السلبيات والتي ازدادت في الفترة الأخيرة نتيجة السياسات الحكومية, والتغيّرات الاجتماعية المصاحبة للأوضاع الاقتصادية السيئة التي نشهدها منذ سنوات. ومن زاوية موضوعية, فأني أرى أن للحكومة وسياساتها المتبعة دورا كبيرا فيما يجري وجرى من أحداث مؤسفة بطابع عشائري بحت, حيث زادت حدتها في العام الماضي 2009 والربع الأول من العام الحالي, ولم تستثن أي مدينة أردنية, وسواء كان العنف في الجامعات, أو في خارجها, ففي كلتا الحالتين لم تخرج مظاهر العنف عن الطابع العشائري البحت, ومن هنا كان لا بد من التعرف إلى العوامل المسببة لهذه الأحداث, وبيان دور السياسات الحكومية الخاطئة في تناميها, كما أن معرفة الأسباب يساعد في علاج الظاهرة, والحد من تفاقمها كيلا تستغل في إشعال الفتن بين الأردنيين وتكون بديلا ( لا قدر الله ) عن الميلشيات المسلحة كما في البلاد المجاورة.
و حسب وجهة نظري أن من أهم العوامل والأسباب:
أولا: زيادة أعداد الوجهاء والشيوخ في العشيرة الواحدة. ففي بلدي ما عليك سوى جمع مجموعة تواقيع للأحياء, أو الأموات, للصغار الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد, أو الكبار, وتذهب مدعوما باستدعاء ومرفق كشف الأسماء إلى المحافظ لتصبح بكل بساطة وجيها, ليضاف اسمك إلى قائمة وجهاء المدينة ولترشح نفسك بعد ذلك لشيخ يتقاضى راتبا؟! لذلك تجد في العشيرة الواحدة أكثر من خمسين وجيها وشيخا, بل أحيانا في البيت الواحد مجموعة شيوخ ووجهاء. ولذلك وبالعودة إلى قائمة الوجهاء في المحافظة تجد العجب العجاب! فقد تجد أسماءً لسفهاء القوم, لا يرغبهم أحد ولو من داخل بيتهم, وبكثرتهم وعدم كفاءتهم تقل الهيبة والاحترام. نعم إن غياب دور الشيخ الحكيم, واللسان الصادق الجريء, والمقدم من أبناء العشيرة أجمعين, وله عند الحكومة والناس الاحترام والتقدير؛ نعم إن غياب أو تغيب مثل هؤلاء النخبة في أكثر العشائر, قد ترك فراغا كبيرا, وخلف الفوضى الفردية غير المسؤولة. وبالتالي يجب على الحاكم الإداري في كل مدينة أن يتوخى الدقة, ويراعي أسسا معينة مقبولة عند الجميع في اختيار الوجيه, أو الشيخ الذي يحمده الناس ويقدرونه, لأخلاقه الكريمة, وسلوكه الحسن, فيكسب ودّ عشيرته والعشائر الأخرى
ثانيا: تركيز الحكومة على عشائر معينة وإهمالها لأخرى في المدينة الواحدة.
لا شك أن التميز الذي تقوم به الحكومة اتجاه العشائر في المدينة الواحدة, يشكل عاملا مهما من عوامل تنامي ظاهرة العنف, حيث تولي الحكومة اهتماما خاصا بعشيرة معينة دون الأخريات من خلال تقلّد أفرادها المناصب العليا و حتى الوسطى والتي تصبح حكرا عليها, مما يؤدي إلى تأجيج مشاعر العداء لتلك العشيرة من ناحية وللحكومة التي أهملتهم من ناحية أخرى.
ثالثا: غياب العدالة الاجتماعية. هذا الغياب الذي يشمل كافة مناحي الحياة, حيث يصيب الأفراد بالإحباط والقهر, والذي يعبر عنه من خلال صور عدة, منها العنف.
رابعا: الأوضاع الاقتصادية السيئة. بدون شك أن التدهور الاقتصادي الذي نشهده منذ نحو عامين, والآخذ بالاستمرار؛ من ارتفاع كبير في الأسعار, وزيادة نسب التضخم, وضعف القدرة الشرائية لدى المواطن الأردني, خاصة في المدن الأردنية الأكثر حرمانا, والأقل حظا, والتي تغيب عنها فرص العمل بالقطاع الصناعي والخاص, وتعتمد بشكل أساسي على الوظيفة الحكومية كمصدر دخل وحيد؟, هذه الأوضاع جعلت المواطن بموقف لا يحسد عليه, وأعتقد أنكم تدركون الإحساس الذي يكون فيه المرء عند الطفر, وقلة الدخل, والنظر في عيون أبنائه المحرومين من حياة كريمة, وتجده من الداخل ناقما على الحكومة, وفي المقابل لا يستطيع التعبير والإفصاح بشكل علني, فيفضل الكبت والقهر, وعندما يفيض الإناء النفسي لديه ( الطاقة الاستيعابية ), ينفجر بأي شيء ( فشة غل ) فقد يتشاجر حينها مع من يلقي عليه السلام, فكيف به إن تجاوز عنه بسيارته, أو أطلق زامور السيارة, أو نظر إليه.
خامسا: إن شعار الأردن أولا قد ضيّق مفهوم الانتماء, ليتحوّل من الأردن أولا, إلى مدينتي أولا, وعشيرتي أولا, ونفسي أولا, ومما لا شك فيه أن الانتماء في بلدنا في دائرة الخطر؟؟!!
سادسا: لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نفصل العنف الجامعي عن عنف المجتمع وثقافته وتركيبته, فالمجتمع الجامعي هو نموذج مصغر من المجتمع الخارجي بكل إفرازاته, وأمراضه, ولذلك يخطئ تماما من يفرق بينهما.
وأخيرا أدرك أن هناك أسباب أخرى أساسية لتلك الظاهرة لم أتطرق إليها, ومنها البعد عن الله, لكني أردت أن أركز على السياسات الحكومية ودورها في هذه الظاهرة, تاركا المجال للقراء, والمختصين المشاركة برأيهم.
rawwad2010@yahoo.com