هل تسترجع جرائم الشرف شرفا مستباحا؟ لا والله ولو كانت على رؤوس الأشهاد وبكل أنواع الأسلحة ولو شارك فيها الأهل جميعا من أم وأب وأخوة وأخوات فالشرف المهدور لا يستعاد بضربة سيف ولا طلقة في قلب فتاة. فكيف نستعيد شرفا مستباحا؟
إن استباحة الشرف له عنوانان رئيسيان يقرءان بوضوح تام ولا يغفل عنهما إلا جبان يدعي الشجاعة والنخوة وهو منها براء أو جاهل غافل يدس رأسه في الرمال حتى يُنتهك الشرف فينتفض له في غير وقته. العنوان الأول فتاة بريئة تم اغتيال عفتها عدوانا وظلما أو اغتصابا أو أخرى جرفتها الرذيلة فضربت بعرض الحائط كل الأعراف والتقاليد. والعنوان الثاني ذئب فقد المروءة والرجولة والعفة وتخلى عن دينه فأصبح ديوثا لا يغار ولا يحس يستحل أعراض الآخرين ويستبيح حرماتهم دون رادع من دين أو خلق. وفي كل الأحوال تكون الفتاة هي الضحية. فلماذا لا يسترد الشرف بمعاقبة الجاني بدل معاقبة الضحية؟
ولكي نجيب على السؤال آنفا فلا بد أن نأخذ في الحسبان أمور عديدة. أولها أن المجتمع يصفق كثيرا لأب أو أخ قتل ابنته أو أخته بداعي رد الاعتبار لشرف استبيح بل لربما يصل الأمر إلى حد المباركة لهما على هذه الشجاعة ( والتي هي في الأصل جبنا ليس كمثله جبن ). كما أن المجتمع نفسه له في هذا الأمر منطق غريب عجيب لأنه لا يلقي اللوم على الذئب الذي امتهن الكرامة باعتبار أن الفتاة هي التي سمحت له باستباحة شرفها لذلك فهي وحدها ( كما يعتقدون ) تستحق العقاب حتى ولو تم اغتصابها اغتصابا ودون إرادتها وفي بعض الأحيان من قبل المحارم أنفسهم. ناهيك عن المشاكل التي سوف يتورط فيها الأهل مع عائلة القتيل وغيرها من المشاكل القانونية.
جرائم الشرف لا ترتكب لرد الشرف فليس في القتل شرف ولكنه شعور بالعار ورد الاعتبار وهو شعور بال قد عفا عليه الزمن. والعقوبة يجب أن تكون مشتركة بين الرجل والمرأة وليس على الطرف الأضعف في الحلقة. ثم إن هنالك من يقتل لمجرد الشبة أو الظن دون أن يتروى أو يستوثق من حقائق الأمور .فكم من ضحية قُتلت بداعي الشرف ثم برأها الطب الشرعي وكم من بريئة كانت عفتها وشرفها وحفاظها على نفسها سبباً في وشاية أدت إلى قتلها دون ترو أو تفكير. وكم من روح بريئة قُتلت بداعي الشرف وأصبح قاتلها بلا شرف وربما أضاع شرف من خلفه وسمعتهم بسبب شك لا يقين فيه. فكم من جريمة أريد بها استرجاع شرف أضاعت كل الشرف.
إن شرفنا لا يُسترد بقتل بناتنا ولكن لنضرب على أيدي أولادنا ونحسن تربيتهم فأن عفّو عن بنات الناس عفّ الناس عن بناتنا ولن يبتلينا الله بأعراضنا إلا إذا أبتلينا الناس بأعراضهم وليتذكر كل منا أن تربية أولاده الذكور حصن حصين له ولهم ولبناته .
ولا تُغمض عينك عن كرْمك وتنام غافلاً عنة ثم تطلبْ من الثعالب أن لا تعيث به فسادا ً.فالثعالب تحب أكل العنب عند نضجه وهي لا تنام ولا تغفل ولكنها تخاف من يقظتك .وحصّنْ أولادك ذكوراً وإناثا بمكارم الأخلاق وأجعل عليهم حرزاً من الدين ثم نم قرير العين.