كنت أتحاشى أحيانا الخوض في مسائل وطنيّة كثيرة خوفا من أن يفسّر كلامي على غير معناه أو مغزاه , وأتردّد في الإشارة إلى قضايا مفصليّة عديدة خشية أن ( يتلاعب ) بعض المتفرّجين بأوتارها فتخرج عن مسارها ... ولكنني وبعد أن طفح ( الكيل ) , واختلطت كلّ الأوراق , وتناثرت الأسباب والمسبّبات , و( تسيّد ) النفاق على الولاء , ودفنت الحقيقة بين ( ثنايا ) الفساد ... لم يعد يهمني أبدا ما يؤول إليه كلامي في ( طواحين ) الرغّائين ... ولن يروق لي الوقوف في صفوف الّذين لا حول لهم ولا كلمة .
لا يمكن أن يكون السّكوت عن الخلل أيّا كان موقعه أو سببه صورة من صور الانتماء للوطن , فالمتستّر على الجريمة هو شريك في ارتكابها , والقابض على جمر الفساد يموت جوعا وقهرا ... أمّا أولئك الّذين ( يوهمون ) المساكين بأنّ الكشف عن أوكار المفسدين وتشخيص الخلل حيثما كان هو ( تشهير ) بالوطن ويسيء إلى سمعته واقتصاده فهم يتناسون أنّ الفساد كالعفن تفوح رائحته أكثر كلّما طال وقت تخميره , وأنّ الفاسدين والمفسدين والعابثين بأمن ومنجزات هذا الوطن والمتسبّبين بالخلل هنا وهناك هم وحدهم الّذين يسيئون لسمعة الوطن ... هم وحدهم الّذين ورّطوا الوطن وأغرقوه بالديون والمديونيّات ... هم من ( نهشوا ) ونهبوا هذا الوطن وأغرقوا أسواقه بالسّموم والآفات ... هم أنفسهم من تسبّب في إشعال العنف هنا وهناك , هم من جعل الأردنيين يفقدون صبرهم وصوابهم ,... فالسّكوت عنهم خيانة للوطن ! .
هل يجوز أن تظلّ معظم مؤسّساتنا الوطنيّة ( مرتعا ) خصبا للمتنفّذين والمرتشين والمستنفعين ... هل يجوز أن ندير ظهورنا لما يحدث في جامعاتنا من عنف وفتنة ومزاجيّة لتتحوّل إلى ساحات حرب وقتال وأوكار لصانعي الفتنة الّتي قد تمتدّ – لاسمح الله – إلى خارج أسوار الجامعات وبوّاباتها ... وهل يعقل أن نغضّ الطرف عن المحتكرين للأسواق الّذين يتحكّمون بأرزاق العباد ويتفنّنون بالغشّ ويتلاعبون بالأسعار ... وهل يجوز أن نطبق ( الصّمت ) إزاء أولئك الّذين يجعلون من أنفسهم ( أوصياء ) على الأردنيّين , ويحاولون أن يفرضوا بشتّى الوسائل والأساليب أجندتهم وأفكارهم على الآخرين ... هل يجوز أيضا أن نظلّ ( عالقين ) بين السّماء والأرض تحجب عنّا الحقائق فتتفشّى بيننا الإشاعات ... وهل من المعقول أن نظلّ تحت رحمة ( المترهّلين ) الّذين أمسكوا علينا رحمة ربّ العباد , فصدأت تحتهم ( الكراسي ) , واحتقنت في أيديهم ( مسائل ) ظلّت كلّ الوقت دون حلول ... وهل يتحمّل الأردن والأردنيّون مزيدا من المشاريع والأفكار ( الفاشلة ) الّتي يصنعها ويشارك في إدارتها فاشلون أو فاسدون ... وهل يجوز أيضا أن نبحث عن حلول لأوجاعنا في قواميس الآخرين فتفتر فينا الهمّة والإرادة وتتّسع مساحة ( الصّمت ) أكثر فأكثر ؟ .
لقد حان أوان الخروج من دائرة الًصمت والوقوف في واجهة الإنجاز والعمل للتخلّص من كلّ مظاهر الفساد والخلل , ووأد كلّ أسباب ( التشوّهات ) الطارئة الّتي تسلّلت إلى مسيرتنا في لحظات نسيان أو تقصير .
adnan_rawashdh@yahoo.com