يحيل الضخ الاعلامي الامريكي ومعه الاعلام الاسرائيلي وبدرجة اقل منهما بقليل بعض الاعلام العربي، الى عزم رئاسي امريكي، ربما لم يكن مسبوقا في تاريخ العلاقات الاستثنائية بين البلدين، الى تليين عريكة بنيامين نتنياهو، ومعه ائتلافه اليميني الحاكم للذهاب بهم الى احد احتمالين، فاما نحو تسوية تضع حدا نهائيا لصراع فلسطيني اسرائيلي امتد لعقود طويلة، واما لطي خيمته والذهاب عن عالم السياسة الى غير رجعة.
وفي اطار مسلسل التسريبات التي دأبت الاوساط الاسرائيلية والامريكية على اشاعتها حول ما يسمى بالاصرار الامريكي للي العنق الاسرائيلية، وارغام نتنياهو على الاتساق والرؤية الامريكية، ما يجري تداولة هذه الايام نقلا عن مارتن اندك السفير الامريكي السابق في إسرائيل، والمستشار الحالي للمبعوث الرئاسي للمنطقة جورج ميتشل قوله \"\" إذا كانت إسرائيل لا تحتاج إلى المساعدة الأمريكية فلتتخذ قراراتها بمفردها. اما إذا كانت محتاجة للمساعدة الأمريكية فعليها أن تأخذ في حسابها المصالح الأمريكية، وعلى نتنياهو أن يتخذ قرارا فيما اذا كان ينوي مواجهة شركائه في الائتلاف أم مواجهة الرئيس أوباما \"\".
كما ينخرط في نفس المنحى قول المتحدث باسم البيت الأبيض، روبرت جيبس، بان الرئيس الأمريكي باراك أوباما دخل فجأة إلى اجتماع كان يضم كلا من وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيمس جونز في البيت الأبيض يوم الاثنين الماضي، وان هذه الخطوة جاءت وسط علامات ومؤشرات على أن الدبلوماسية الأمريكية قد تشهد قريبا تسارعا في أدائها بغية إحياء محادثات السلام المتجمدة في منطقة الشرق الأوسط.
صحيح ان اقولا وافعالا من هذا القبيل تحتمل تفسير تجاوز الضغط، للمرور نحو التهديد بقرار بالانفصال عن التصور الاسرائيلي للارتداد والانحياز للمصالح الامريكية التي يصورها اندك بالمهددة جراء التعنت الاسرائيلي، غير انها اقوال بالاضافة الى لا واقعيتها، فان ضعف الموقفين العربي والفلسطيني، يحولان دون اية امكانية لتحويلها الى ما يوحي به احتمال من هذا القبيل.
وبدون التوقف كثيرا امام تسريبات من هذا النوع، فلقد بات معروفا لدى المواطن العربي ان التكتيك الامريكي لانتزاع مزيد من التنازلات الفلسطينية التي عادة ما تجد غطاء لها في احجيات تمرس وزراء خارجية دول جامعة الدول العربية على ابتداعها، لا يكتمل قوسه الا في ظل ستار كثيف من غبار معارك مختلقة مع الجانب الاسرائيلي، تغري العقل العربي الحالم بالتعلق اكثر باوهام النصر.
فاكذوبة احراج اسرائيل، بالالتصاق اكثر باحبولة الوفاء بالتزماتنا الدولية، لم تعد تحم احدا حتى من النغمة النشاز التي اعتادت الولايات والمتحدة واسرائيل على عزفها بمناسبة وبدونها للتأكيد على ما يسمونه بغياب الشريك الفلسطيني، هذا فضلا عن عجزها المطلق في وقف سياسة نهب الارض الفلسطينية واستيطانها.
ففي غمرة حرب التسريبات هذه، كشف رئيس الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، يوم الاثنين عن مصادقة بلدية الاحتلال الإسرائيلي على ثلاثة مخططات إسرائيلية جديدة لبناء 321 وحدة استيطانية إضافة إلى مدرسة دينية بحي الشيخ جراح شمال القدس، حيث سيتم بناؤها على مساحة 18 دونما من أراضي الحي، وأن اسرائيل تعتزم تغيير اسم الحي ليصبح \"حي شمعون الصديق\" بدلا من حي الشيخ جراح.
ورغم مثل هذه الدلالات القاطعة على بؤس الاستمرار في الرهان على احراج اسرائيل، او على وهم تعميق ازمتها مع واشنطن، اوما يسمى بزيادة عزلتها الدولية، وكأنها تعاني من ازمة عزلة غير تلك التي يعتقدها العقل العربي، فان هناك من البعض الذي يصر على الامساك بدفة التضليل، لينظر لتقاعس عن ضرورة القيام بمراجعة لمعظم خيارات السياسة العربية .
والغريب في تحليلات هؤلاء من دعاة الاستمرار في ما يطلقون عليه بالاشتباك التفاوضي، الذي ما كان له ان يأتي ببعض ثماره لولا ما يقال عنها بالمقاربة الجوهرية ذات الطابع الاستراتيجي، التي تواصل إدارة الرئيس أوباما القيام بها حيال منظومة مصالحها الكونية، بما في ذلك مصالحها في العالمين العربي والإسلامي، ولولا أيضاً تلك المتغيرات الدولية المواتية؛ أولاً لتصعيد وتيرة الهجوم الدبلوماسي المضاد على الطرف الذي يقارف سياسات عنصرية مدانة على أوسع نطاق، وثانياً لانتزاع ما يمكن انتزاعه من تنازلات.\"\" يصلون في ختام هكذا تحليلات الى ان اي فشل في جولات ذلك الاشتباك، وعدم احراز اي اختراق في مواقف الطرف الاخر، لا يشكل مدعاة للغضب، لانه لا يعود علينا باية خسارة، وان هذا التحدي القائم بمثابة فرصة لا يجوز اهدارها !!!.
ويغيب عن هذا التحليل ان مثل هذه النتيجة تسد الافق امام المراقب لاغتنام فرصة الانحيازالى اي من الادعائين : ادعاء قادة ساسة الاعتدال العربي الذين يملؤون الفضاء ضجيجا حول سلاح الوقت الذي يعمل لغير صالح العرب، ويفتح المجال واسعا امام الاحتلال لاستيطان الارض وابتلاعها، وهي الذريعة التي استخدمت اساسا لتسويق فكرة السلام برمتها، ام ادعاء المنظرين لسياسة الاعتدال الذي لا يرون خطرا في مرور الزمن والوقت، وان لا ضير من الاستمرار في اششتباك تفاوضي قد لا يعرف نهاية في المدى المنظور ؟؟؟.
فالمطلوب الاستمرار في نهج يؤدي الى نتيجتين متناقضتين، تارة الى نتيجة صفرية لا ربح فيها ولا خسارة، الا ربح اغراق اسرائيل في وهم ازمتها الدولية، وبالتالي احراجها لدفعها للانصياع لما يقال انها ارادة دولية لانهاء الصراع، وتارة نخسر الارض والانسان والهوية، باعتبار ان اهمال عنصر الوقت من شأنه ان يخلق واقعا، ليس من السهل تجاوزه، وذلك حسب ما يصل اليها من نتائج اصحاب نفس النهج، الذين يسقطون اي بديل اخر لهذه المفاوضات، اي إبقاء المفاوضات بديلا للمفاوضات .
وفعلا فانه في اطار رؤية من نوع كهذا، تجري الان محاولات لتطويع الموقف الفلسطيني، تحت ستار ادخنة واتربة حرب التسريبات الاعلامية التي تلجأ اليها كل من الولايات المتحدة واسرائيل، ويستثمرها منظروا نهج الاعتدال والتفاوض للاحتجاج بصحة اطروحة ان مزيدا من الالتزام سيعمق من مستوى الازمة الامريكية الاسرائيلية، او على الاقل تعميق الازمة بين نتنياهو وباراك اوباما، للقبول بشكل جديد من المفاوضات بديلا عن الشكل السابق، بانتظار ان تأتي هذه الازمة اكلها، الذي على الارجح لن يأتي، فيما تستعد اسرائيل للانتقال الى مرحلة ما بعد احتلال الارض واستيطانها نحو الطرد الجماعي لاصحابها.
هاني الروسان