قد يختلف البعض حول مسؤولية ضياع مساحات واسعة من الثروة الحرجية والغابات في الأردن , حيث روي أن الغابات والأشجار الكثيفة كانت تغطي مساحات تفوق التصور . البعض يحلوا لهم يتهم الأتراك وسِكتهم الحديدية التي كان من بركاتها تأسيس عدد من القرى والمدن الأردنية على طول الخط الحجازي , أما البعض فيلقي اللوم على الرعي الجائر وإطلاق العنان للماشية وفؤوس الحطابين في الغابات .
لكن الأمر الذي لا يختلف عليه أحد هو أن رجالات أردنية استطاعت بقرار شجاع ووطني واستراتيجي أن تنشء غابات رائعة لا تقل روعة عن الغابات الأصلية . كان ممن شارك في تنفيذ هذا القرار التاريخي طلاب المدارس وأفراد من القوات المسلحة . طلبة المدارس من بعض مدن وقرى فلسطين كان لهم أيضاً مشاركة في زراعة بعض الأراضي منها الغابة المطلة على منطقة ناعور كما أكد ذلك أحد الذين شاركوا في الزراعة.
يؤكد جميع من عاصروا هذه الفترة الخضراء أن الأردن كان محظوظاً بهؤلاء الرجال من أمثال الشهيد وصفي التل وآخرين من الجنود المجهولين بالنسبة لنا , ويصرون أن ما ننعم به من أفياء ومناظر جميلة لم تكن لتتحقق لولا هذه القرارات الموفقة والإنجازات المشكورة والمتابعة القوية.
هناك مقولة تجد لها دائماً من يؤيدها وهو أن التاريخ يكرر نفسه , فهل يحق لنا أن نستبشر خيراً وننتظر ظهور مثل هؤلاء الرجال ومثل تلك القرارات . أنا أعتقد جازماً أن ما ينقصنا فقط هو ما ذكرت , أما بقية العناصر من طلاب مدارس وأفراد القوات المسلحة وحتى أفراد المجتمع المدني فهم على أتم جاهزية . أما العنصر الأخير الواجب توفره وهو الأراضي الصالحة للزراعات الحرجية فهي كثيرة وتنتظر منذ سنوات وتشتاق لأبنائها البررة ليجددوا عهد الأجداد والآباء .
أما من الناحية التقنية فإن العلوم قد تطورات بل تضاعفت في الاتجاهات الزراعية كما هي في بقية مناحي العلوم , وبالتالي فإن ما نحلم به ونتمناه من زيادة الرقعة الحرجية في الأردن قد يكون بالتأكيد أقرب وأسرع وأوسع وأكثر فائدة .
لا أعرف بشكل محدد من أين سيخرج هذا المارد الأخضر , فالجهات المعنية بهذا الأمر متعددة , ولا يعني أنه بالضرورة أن يكون هذا المارد زراعي التخصص ( وإن كان هذا شرفاً كبيراً لنا معشر المهندسين الزراعيين ), أو متنفذاً في وزارة الزراعة وأجهزتها وفروعها المتخصصة (وإن كان هذا يُعدُّ من صميم مسؤولياتهم ) , وليس شرطاً أن يخرج من كليات الزراعة المختلفة . فليخرج من حيث شاء , وليشر بيده فقط وليتخذ قراره الوطني , وسيجدنا جميعاً مرحبين به واضعين تحت تصرفه كل ما نستطيع من خبرة وجهد ودعاء .
المهندس الزراعي / جمال أحمد راتب