حكاية تعبيرية من التراث الشعبي
بقلم :الداعي بالخير صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
في ظل الجعجعة الإعلامية والتهديدات بالرد والإنتقام في الوقت المناسب والذي قد لن يأتي أبداَ ، وبالتالي تصبح التهديدات إما (مدافع لبن ) ، وإما ( أسمع جعجعة ولا أرى طحناً ) مما جعلنا امة مهيضة الجناح ، (ملطشة)
للأمم الأخرى ، عدى عن النفاق السياسي والعهر الدبلوماسي ، وضبط النفس إذا كان الإعتداء خارجياً ، أو من طرف أقوى ، ولو مددنا الحديث أكثر لطال أكثر ، حتى نخرج عن هدف الحكاية .....
تقول الحكاية أن رجلا ًكان له أربعة أبناء أقوياء أشداء ( بهد واحدهم الحيط ) ، ولكنه ربّاهم على الطاعة والإحترام والإمتثال لرأيه مهما كان رأيهم ، وقد تكون هذه دكتاتورية أسرية ، ولكنها كانت السائدة في ذلك الزمان ، والناس يحترمون ذلك التقليد !!
وكانت له إبنة وحيدة ، مدللة حسب تقاليد ذلك العصر ، وكانت محظوظة ينتخي بإسمها أربعة رجال يأكلون رأس الحية !!
وكانت تأخذ الطعام لأبيها وإخوتها إلى الحقول أثناء عملهم في زراعتهم وفلاحتهم ، كعادة الناس في ذلك الزمان .
وأثناء مسيرها في ارض خلاء رآها أربعة شباب من القرية ، ووسوس لهم الشيطان الإعتداء عليها وهتك عرضها ، رغم معرفتهم بالتقاليد الصارمة التي لا ترحم ، ومعرفتهم أن العار لا يُغسل إلا بالدم ، ولكن الشيطان تمكن من إشعال نار الشهوة في شبابهم المتفجر ، وكان ما كان ، فاغتصبها الأربعة تباعاً ، حتى أطفأوا النار التي أوقدها الشيطان فيهم !!
أما الفتاة التي كانت تحمل لأبيها وإخوتها صينية من البحتة (أرز بحليب) فقامت بالجلوس فوق الصينية حتى سال دم بكارتها فوق الحليب ، ثم حملت الصينية على رأسها وتابعت مسيرها .
ولمّا التف الأب وأبنائه لتناول الطعام وشاهدوا الدم ، وأخبرتهم بما حدث ، هاج الأولاد وماجوا وقرروا ذبحهم كالشياه ، ولكن الأب كظم غيظه وأعطى لعقله فرصة للعمل الهاديء ، وأجلس أولاده وأمرهم أن لا يفعلوا شيئا ، لأن الفضيحة قد وقعت ، والانتقام على طريقتهم سيكون دامياً ومكلف قد تتحمل العشيرة من توابعه ، وأمرهم الالتزام بالصمت وكأن شيئاً لم يحدث ، حتى لو التقوا مع الشباب ، عليهم الظهور وكأن أختهم لم تخبرهم شيئاً وكأنها طوت الحكاية في أعماق نفسها !!
وأمتثل الأبناء غير راضين عن رأي الأب ، ولكنهم قبلوا على مضض لأن ديكتاتوريته الأسرية عنيفة ولا تقبل المعارضة ، ولكل زمن تقاليده !!
وعادوا إلى البيت ، وأمر إبنته التزام البيت ، وأعلن رغبته بناء بيت جديد للأسرة (ما دام الله معطي ومتفضل ) ، وذهب في الصباح الباكر وأحضر معلم البناء من المدينة ، فرَسَّم الموقع ، وطلب إحضار الحجارة اللازمة والتراب الأبيض ( الحِوَّر ) و ( الشيد الفحل ) الذي يقوم بمكان الإسمنت ، وينقع لمدة أسبوعين قبل البدء بالبناء حتى ينطفيء ، وبدأ العمال بحفر الأساسات ، والأبناء تشتعل فيهم جوى إحتراق الثأر ومسح العار وغسله بالدم !! غير مستوعبين الربط بين غسيل العار وبناء البيت .
وبعد إتمام الحفر طلب الأب من أبنائه ليلاً ملأ الأساسات بالملح الذي أحضره مسبقاً أمام دهشة الأُسرة ثم غطوه بالتراب ، وتم بناء البيت على ما يرام .
و سروراً بالإنجاز قرر أن يدعو كل أهل القرية إلى الطعام ، واضطر لبيع قطعة أرض من عيون أملاكه لهذه الغاية ، ودعا أهل القرية حامولة حامولة (عشيرة عشيرة ) لحضور الطعام ، حتى أكل كل أفراد الحمائل ، ولم يبق إلا عشيرة الجناة ، فطلب من أولاده إحضارهم عن بكرة أبيهم معاً وفي وقت واحد لتناول الطعام إسوة بالحمائل الأُخرى .
ولما تم له ما أراد ، فتح مجرى الماء على أساسات البيت ووضع أمامهم الطعام ، وخرج وأولاده وتركوهم يأكلون ، فما أتموا الطعام حتى ذاب الملح في الأساسات ، وانهار البيت فوق رؤوسهم ، فلم يُبقِ منهم أحدا ولم يذر !! وانطوت تلك الصفحة ، وانتقم لإبنته إنتقاماً مجلجلاًً ، لم يخل من الظلم ، لإنه أخذ ابرياء بوزر جناه غيرهم ، مع أن المولى عز وجل أعلنها ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ، ولكنها كانت قوانين ذلك الزمن !!