اذا كانت الحكومة جادة في مكافحة الفساد فان ذلك يتطلب حزما في السلوك يكون مرتكزا على العمل المؤسسي والابتعاد عن سياسات الفزعة التي اعتاد الاردنيون على مشاهدتها من الحكومات المتعاقبة. في الايام الماضية امتلأت صفحات الجرائد وشاشات الاعلام المتلفز بتصريحات المسؤولين حول اعمال تحقيق تجرى الآن حول شبهات فساد في بعض المؤسسات من اهمها حالة الاختلاس التي ضبطت في وزارة الزراعة مؤخرا. الانطباع الاولي لدى الشارع العام هو ان الحكومة الجديدة فتحت باب التحقيق حول مظاهر فساد لكسب شعبية لها, بدليل ان اغلب ما تحدثت به من اختلاسات كان موجودا إبان تولي المسؤولين انفسهم لمناصبهم, واذا كانت هناك جدية في محاربة الفساد وكشفه فلم لم يقم هؤلاء المسؤولون بالحديث عن تلك الحالات قبل هذا الوقت? تستطيع الحكومة ان تقنع الرأي العام بتوجهها الصادق والحازم في مكافحة الفساد اذا ما جرى تعميم هذا التوجه على مختلف الاعمال الرسمية لا ان يجري انتقاء حالات معينة, والجميع يعلم جيدا انه لا توجد وزارة او مؤسسة رسمية تخلو اليوم من مظاهر الفساد, ولو دققت الحكومة في اعمال الوزارات لوجدت حالات مشابهة لما اكتشفته في وزارة الزراعة. ان ارادت الحكومة تعزيز عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي فان هذا لا يتم من دون تفعيل عمليات المراقبة والتأكد من سلامة الانجاز وتقويمه, وهنا لا بد من التأسيس جيدا لمسألة مهمة ما زالت غائبة عن الاصلاح وهي ايجاد دراسات حول تأثير السياسات والمشاريع الرسمية, التي تستطيع من خلالها أية حكومة معرفة اتجاهاتها حول تلك السياسات بعيدا عن عامل الشخصنة او سلوكيات الفزعة, لكن ليس على نمط دراسات الاثر التي اعدتها وزارة التخطيط حول برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي والتي اثارت حفيظة المجتمع الاردني حول صدقيتها رغم عدم كشف الحكومة نتائجها, وهذا ما ادى الى زيادة شكوك الشارع الاردني حول فشل نتائج برنامج التحول الذي انفقت فيه الحكومة اكثر من 356 مليون دينار على مشاريع مختلفة ثبت اقتصاديا انها لم تكن ذا قيمة مضافة او حتى ساهمت في عملية تحسين مستوى الخدمات او معيشة الاردنيين, ولو كانت النتائج ايجابية لقامت الحكومات المتعاقبة بالاعلان عن نتائج البرنامج الذي حول اموال المساعدات وبعض عوائد التخاصية لصالحه فلماذا لا تتم محاسبة المسؤول عن الاخفاق ان وجد على تنفيذ هذا المشروع? ولماذا لا تقوم الحكومة باعلان نتائج الدراسة ? من حق الاردنيين ان يتأكدوا من ان عملية المحاسبة هي منهج اساسي لادارة الدولة العصرية وليس اسلوبا مزاجيا. ما يفتح باب الفساد على مصراعيه في العمل الرسمي هو غياب المراقبة والتقويم للاداء العام, وبالتالي تهميش عنصر المحاسبة, مما يولد انطباعا لدى الموظف العام بعدم المسؤولية تجاه عمله وهو ما يزيد من حالات التسيب التي قد تمتد الى الاعتداء على المال الرسمي او استغلال السلطة.0 salamah.darawi@gmail.com