زاد الاردن الاخباري -
فقد قلب عمان الاربعاء المواطن الاردني من اصل نيجيري عمر محمد حمزة النيروبي الملقب بـ "ابي احمد" الذي يناهز الثمانين عاما قضاها في بيع الفستق و"البزر" بلونيه الابيض والاسود وذلك بعد معاناة مع المرض اثر حالة دهس الزمته الفراش سنة كاملة. العزاء سيكون بعد دفنه اليوم في جبل الجوفة قرب الصيدلية على بعد مئتي متر من مدرسة صلاح الدين.. وقد نعى صاحب الكشك الاشهر في عمان "ابو علي" جاره وصديقه في شارع الملك فيصل وسط عمان الفقيد الذي عرفه كل الاردنيين والسياح العرب والاجانب منذ سنوات طويلة. وكان الزميل وليد سليمان كتب مادة صحفية عن الفقيد في الراي ننشرها للتذكير بالرجل: العم عمر (ابو احمد) عاشق عمان وصاحب البشرة السمراء الجميلة شخصية معروفة جدا في وسط مدينة عمان وبالذات في الشارع الشهير شارع الملك فيصل عند مدخل سوق الصاغة والذهب.. وابو احمد شخص لطيف في معشره وحديثه البسيط يأسر القلب بتواضعه وابتساماته وكلامه القليل اثناء عمله لبيع الفستق الطازج والساخن دائما طوال السنة صيفا وشتاء.. كذلك فان الوقفة عنده لشراء بعض الفستق لها نكهة عمانية عابقة بماض جميل واليف وقديم.. فان هذا الرجل ما زال يقف خلف بسطته الصغيرة وهي عبارة عن محمصة صغيرة لها مدخنة صغيرة يخرج منها القليل جدا من دخان الفحم الذي يكون متجمرا في موقد صغير موجود تحت حبات فستقه السوداني الشهي. هناك من يسمي (ابو احمد) بالنيجيري او النيروبي او السوداني او الكيني.. المهم انه من قارة افريقيا وذلك قديما... لكنه ومنذ ستين عاما فهو العربي الاردني المعتز بهذا الانتماء ومن قبل فهو المسلم الديانة الذي خرج من بلده الافريقي (نيجيريا) مع خالته بقصد الذهاب في رحلة طويلة وشاقة الى الديار المقدسة من اجل قضاء فريضة الحج فخرج من موطنه الى السودان ثم الى مصر (وهناك تتوفى خالته رحمها الله) ثم يتابع سفره الى فلسطين... وفي العام 1948 يهاجر كالفلسطينيين لاجئا الى الاردن والى عمان الصغيرة آنذاك في هذا البلد الغريب عنه... ليتأقلم قليلا مع اللغة والعادات والبلد ويحلو له الاستقرار في عمان ويعمل عدة اعمال بسيطة الى ان يستقر فكره في التخصص ببيع الفستق الساخن والطازج والذي برع واتقن وحافظ على جودة هذه المهنة حتى اصبح لديه الاف الزبائن منذ نحو 60 عاما وحتى هذه اللحظة. لكن الخبر المؤسف ان صديقنا بائع الفستق الحاج عمر والذي يقارب عمره الان نحو 80 عاما تعرض لحادث مفاجىء مؤسف وذلك قبل عدة شهور بينما كان يقف قرب الرصيف ليهم باجتياز الشارع في المنطقة القريبة من مكان عمله حتى وقع الحادث وبشكل مفاجىء جدا له اذ ان سيارة خصوصي كانت ترجع الى الخلف وهو لم يلاحظها وكذلك السائق لم ينظر جيدا الى الخلف... فصدم الحاج عمر ووقع ارضا وهرع اصحاب سوق الصاغة وصديقه الحميم حسن ابو علي وكل معارفه في شارع فيصل وتابعوا حمله ونقله الى المستشفى الاسلامي ثم الى مستشفى ابو ديه في جبل الحسين حيث أجريت له عدة عمليات حرجة في الارجل والصدر وظل فترة في المستشفى وقد خرج الى بيته في جبل الجوفة وهو الان يرقد على شرير الشفاء بانتظار ان يبدأ بالحركة بعد شهرين او ثلاثة انشاءالله... ومع ذلك فان اولاده واحبابه الكثر يحملونه في سيارة بعض الامسيات ليذهب الى شارع فيصل ليتنشق هواء هذا الشارع ومحلاته واشخاصه وزبائنه الاعزاء على قلبه جدا منذ نحو نصف قرن او يزيد وهو راكب في السيارة فقط. وعمر النيجيري او النيروبي او السوداني لا يهتم كثيرا بتلك التسميات كثيرا لكنه يعتز ويفتخر بأنه عمر الاردني صاحب الشماغ الاحمر الذي يرتديه صيفا شتاء فأولاده وزوجته يكادون لا يعرفون شيئا عن مسقط رأس ابيهم.. انهم عمانيون بكل ما للكلمة من معنى مطلقة.. لكنهم يعرفون ان حوالي 70% من اهل نيجيريا مسلمون. جلالة الملكة رانيا العبدالله وجدت فرصة طيبة عند تجوالها في شوارع عمان سيرا على الاقدام قبل اكثر من عام عندما استقر بها التجوال عند بسطة او محمصة عمر الصغيرة لتشتري بعض الفستق السوداني الطازج اللذيذ.. وكانت تلك المناسبة فرصة غامرة جدا لأبي احمد الذي تحدث عن ذلك ولعدة شهور لكل من يعرفه ولا يعرفه.. حتى ان وسائل الاعلام اشارت الى تلك الزيارة الرائعة بالكلمة والصورة ايضا. وفستق الحاج عمر مشهور عالميا.. فهناك من عشاق اكل هذه المكسرات ممن كانوا قبل عقود طويلة شبانا صغارا يشترون منه واستقر بهم الحال في بلاد الاغتراب في اميركا ودول اوروبا يوصون القادمين اليهم من عمان بشراء بعض الكميات من الفستق من عند عمر.. ليرتحل هذا الفستق ما بين قارات العالم. اما على المستوى المحلي فهناك بعض الزبائن القدامى والحديثين ممن يأتون من مناطق بعيدة خصيصا الى شارع فيصل لشراء هذا الفستق الخاص قادمين من الشميساني وتلاع العلي وعبدون. حتى من مدن اخرى كالكرك والزرقاء وعجلون واربد والسلط،.. وكذلك المغتربين في ايام الصيف يشتاقون لفستق عمر. فأبو احمد مع اولاده يقومون بشراء الفستق النيء ثم يحمصونه بعدة خطوات وايام حتى يصبح جاهزا للبيع والأكل. اما سواح عمان من الاجانب فان من اكثر المشاهد والاماكن التراثية التي يندهشون بها ويقومون بالتقاط الصور لها هي مشهد ابو احمد مع فستقه وهو يمارس البيع، ثم العديد منهم يطلبون التقاط الصور التذكارية معه حين يقفون بجانبه وبجانب محمصة الفستق الصغيرة جدا ليقوم زملاؤهم بالتقاط العديد من الصور التذكارية.. اذن.. فان صور بائع الفستق عمر منتشرة في كل دول العالم وبالآلاف ايضا لدى الناس والصحافة هناك كذلك. اما الشاب (احمد) والذي ينوب هذه الايام بالعمل عن والده المريض فقد حدثنا بكثير من المعلومات السابقة ومنها اخيرا ان من الدول المشهورة بزراعة فستق العبيد او الفول السوداني او الفستق السوداني فهي كل من: مصر والسودان والصين. كما كتب الزميل حمد الحجايا من بترا مادة عن المرحوم جاء فيها : "احتضنتي عمان بين ذراعيها شابا غريبا منذ كان عمري 19 عاما كأم حانية, فألفتها واحببتها, فبادلتني الحب بالحب, فكانت لي الموطن والاهل والاحبة", بهذه العبارات بدأ "بائع الفستق" ابو احمد النيروبي حديثه النابع من القلب وهو يسرد قصة رحلته من مدينة نيروبي في نيجيريا الى ان استقر به المطاف في عمان. لم يعلم هذا المواطن الاردني من اصل نيجيري عمر محمد حمزة النيروبي الملقب بـ "ابي احمد" - الذي يناهز الثمانين عاما من عمره - ان المطاف سينتهي به في عمان بعد ان تقطعت به السبل قبل ما يقارب الستين عاما عندما رافق خالته وعمره انذاك سبعة عشر عاما لاداء فريضة الحج في بيت الله الحرام. " لكن الله اراد غير ذلك " بهذه الكلمات المؤمنة يتابع "ابو احمد" سرد قصته لوكالة الانباء الاردنية " فبعد ان وصلت وخالتي الى السودان المّ بها مرض توفيت على اثره ودفنت هناك, لكنني واصلت رحلتي بغية الوصول الى مكة, فتوجهت الى مصر ومكثت فيها اياما, بعدها توجهت الى فلسطين ومكثت بها ما يقارب السنة الى ان حدثت نكبة 1948 حينها رافقت المهاجرين من فلسطين الى الاردن". ويكمل حديثه "استقر بي المطاف في عمان التي كانت انذاك مدينة صغيرة - لكنك سرعان ما تألفها - عملت في البداية حارسا لموقف سيارات لمدة عام ولم ارتح في هذا العمل, ونصحني بعض الاصدقاء ببيع الفستق, فذهبت الى محددة لتفصيل عربة تحمل "محمصة" الفستق الصغيرة, نصبتها على ناصية دخلة سوق الذهب في شارع الملك فيصل, كلفتني حينها عشرة دنانير وما زلت منذ ذلك الوقت اعمل في هذه المهنة". رغم كهولته وجسده النحيل الا انه ما زال يعمل في بيع " الفستق" يقف امام عربته شامخا منذ اكثر من ستين عاما تعلو وجهه الاسمر ابتسامة لم تتغلب عليها مرارة السنين الخوالي التي عاشها وعائلته على الكفاف من رزق بسيط, يقول ابو احمد " هذا ما قدره الله لي في هذه الحياة, وانا راض بما قسمه الله من رزق لي ولعائلتي المكونة من اربع بنات وولدين. ما يزال "ابو احمد" يقف في تلك المساحة البسيطة على ناصية شارع الملك فيصل راضيا محبا ووفيا الى عمان التي احتضنته بود وحنان فبادلها الحب والوفاء.