عندما نتحدث عن " الوجع " بالأكيد لا نتحدث عن الآلام التي قد تسببها الأمراض ، بل نتحدث عن " وجع " يصيبنا على ما نشاهده هذه الأيام على أرض الواقع أو ما تنقله لنا وسائل الإعلام من استباحة كل شئ ، قتل وتدمير وهتكٍ للأعراض وأمور كثيرة قطعت أوصالنا من هول ما نرى ونسمع ، فرؤية الدماء التي كان القليل منها يغيّبُنا عن الوعي باتت أمرٌ بديهي ومألوف علينا . فهل لأن قلوبنا تحجرت وقست أم أن تكرار المشاهد قد كسرت حاجز الخوف فينا على ما نشاهدة من سفك للدماء وتقتيل للأبرياء ..؟؟ أم أن القهر وقلة الحيلة على أداء مسؤولياتنا تجاه من نحب في هذه الحياة بالصورة التي يجب أن تكون عليها هي الأسباب الرئيسة لما يحدث والصبر فينا أوشك على انتهاء الصلاحية ..؟؟
معدومي الإحساس وفاقديه أصبحوا كثر في هذا الكون ، لا يعرفون الوجع ولا يشعرون بوخزه ، وتوغلت فيهم الأنانية بصورة طردية وأفقدت جوارحهم الشعور والإحساس بالوجع ، فلا يكترثون لشيئ إلاّ أنفسهم ، فسباقهم على تضخيم الثروات والبحث عن الملذات هيّ أهدافهم السامية ، وقلوبنا نحن قد أصابها الوهن ولم نعد ندرك ماذا يجري من حولنا ، فالحياة انقلبت راساً على عقب وحولتنا كهؤلاء ، الضمير فينا قد تكَسَّرّ مجدافه وفقدنا الإحساس بالذنب وبتنا كأصنام وضعت على قارعة الطريق لسدّ فراغ ملوث ..!!
فلم يبقى فينا من الصبر أيُ قدرٍ يؤنس وحدتنا ، أو نجامل به أرواحنا التي تحجرت وقست بجبروتها على أقرب ما لنا ، لقد ذهبت في مهب أطماعنا التي لا تنتهي ، وتغيرتْ وجهة ضمائرنا حيثُ مصالحنا وما نكتنز منها ، فقد تغير كل شيء في هذا الكون ، فالماضي الجميل الذي عهدناه عن الأسلاف زمن أباءنا وأجدادنا قد تغيب عن ذاكرتنا ، فالألفة التي كانت عنوان تعايشهم وكبريائهم قد تطايرت مع رياح الخماسين ، نصطنعها اصطناعاً اينما وُجدت حاجتنا ، فقط حتى نتمكن من مرادنا ، ليس مبدأً نبيلاً أو مفهوماً قد ترسخ فينا ، بل مأرباً سيئاً نتخذه وسيلةً للوصول لأنانيتنا التي على الدوام نلهث خلفها ، فلم تعد تعنينا تلك المبادئ النبيلة ولا تلك المفاهيم التي كانت راسخة في وجداننا الغابر ..!!
تعددت ألوان أوجاعنا وكثرت صفاتها في هذه الأيام ، وباتت عبارة عن خليط من الألوان تغلبت عليها القتامة والسواد ، وتعذر على ألوان الفرح التسلل لأفئدتنا لتبدل حالنا من حال عدم القدرة على تحمل الأوجاع إلى حال القدرة على الصبر على تحملها ، فتغريدة الحسون التي كانت تواسينا في صباحات الربيع الجميل تحولت إلى عويل وأنين يدمي القلوب على ما أصابنا من جراح مؤلمة في هذا الزمان الدامي ، وما أن نفتأ التخلص من وجعٍ ليأتينا آخر أشدّ وخزاً وإيلاماً عن سابقه .. !!
هذا أنين موجوع عاصر جيلين وتاه بينهما ، جيل مضى عهده حُرِمَ من كل شئ إلاّ الأخلاق والمبادئ والعادات والتقاليد الجميلة ، وجيلٌ آخر معاصر تاه في معمعة العصر وما غزاه من تكنولوجيا دخيلة أفقدته كل إرثه النبيل ، وجيلنا الذي بينهما حيث إنكفأ على نفسه ولم يعد يقوى على نسيان الماضي أوتَذَكُرِه ، ومواكبة الحاضر أو التَنَكُرْ له ..!!
فماذا يعرف جيل اليوم من أوجاع بعد أن فقد الألفة والمحبة التي تاهت بين أزقة ودهاليز الغزو التكنولوجي دون الإحساس بما سيأتي للقادم من الأيام الصعاب ، التي سيتندر فيها التماسك والبقاء يداً واحدة في وجه إعصارٍ آتٍ قد يأكل كل ما في طريقه للوصول للمراد الذي ينشده ..!!