برزت على السطح في الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة على بلدنا ومجتمعنا الأردني والذي عُرف عنه ، بل وتميز بقيم التسامح والترفع عن الصغائر ونبل المعشر ، لكن لأسباب معينة لم تعد تخفى على احد بدت هذه الظاهرة الغريبة والمقلقة في آن واحد تطفو على السطح ، وتأخذ منحى يجب التوقف عند أسبابه ونتائجه الخطيرة على الناس وسمعة الوطن ومقدراته .
فالعنف وأن تعددت أسبابه ومسبباته وتنوعت أشكاله لكنه بالمحصلة يشكل سلوك عدواني ومرفوض يسعى صاحبه برغبة او مكرهاً في غالب الأحيان للحصول على ما يريد او ما يحتاج له او استرجاع ما ُحرم منه بالقوة وباستخداماتها المتعددة سواء منها البدنية او اللفظية .
فالعنف اذا هو كل سلوك او تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين أفرادا وجماعات، وقد يكون الأذى جسمياً أو نفسياً. فالسخرية والاستهزاء من الفرد وفرض الآراء بالقوة وإسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة ، أي ظاهرة العنف. وهي ظاهرة تعددت فيها آراء الباحثين وتشعبت وتركت الباب مفتوح على مصراعيه لمعرفة أسبابها عبر التاريخ ومنذ ان لامست قدما الإنسان سطح الأرض .
فما يهمنا نحن هنا ، وفي هذا المقام هو تفاقم هذه الظاهرة في مجتمعنا الأردني في السنوات الأخيرة حيث ازدادت وباتت تقلق الناس الى ان أخذت منحى خطير يؤدي الى آثار اجتماعية لا تحمد عقباها ، كما أنها أصبحت ذات تأثير على عجلة الحياة وتقدمها بما تترك لدى ممن يتعرضون لها من تقاعس في القيام بواجباتهم ومهامهم على خير ما يرام وما يؤمل منهم .ناهيك عن كونها نقيض للعدالة ومنطق الأشياء ولدولة القانون.
فمن العنف الذي ينتشر في أماكن الاحتكاك بين الناس سواء في الشارع او المقهى او في الأحياء السكنية وبين المتجاورين حتى وصل الأمر الى جامعاتنا ومدارسنا ، الى العنف الذي يحدث بشكل متكرر في مؤسساتنا الطبية من مستشفيات ومراكز طبية وما بات يعرف بالاعتداء على الأطباء او العكس ، فقد حصل وان تم الاعتداء من قبل الكوادر الطبية على مريض فالأمر اذا جد خطير ويجب ان تُتخذ كافة التدابير والإجراءات للحد من هذه الظاهرة السيئة والغريبة وذلك من خلال تضافر الجهود بنية صادقة دون تباطؤ او تهاون ، وكذلك الأمر دراسة الأسباب ومعالجتها والتي تؤدي الى مثل هذا السلوك المشين وغير الحضاري والبعيد عن قيمنا وعاداتنا وصلة القربى والجوار التي تربى عليها مجتمعنا ، ولنا في ديننا الحنيف الفسطاط والطريق القويم إذا ما أردنا ان نغير ، فأين نحن من تعاليم ديننا نحو الجار واحترام الطريق وما لها من حرمة تنتهك من قبل بعض المارقين وكذا تبجيل المعلم ومراعاة حقوق الآخرين وحرياتهم وتقديم الكبار سواء بالسن او القدر وكذلك التراحم بين الناس وأين نحن من التربية الأسرية السليمة ؟ فالأم مدرسة أذا ما أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق ..
اين نحن من مهنة الطب وقدسيتها وإنسانيتها ؟ وأين هن ملائكة الرحمة ؟ حيث وصفهن ابراهيم طوقان رحمه الله . نحن بكل أسف لا نرى ملائكة رحمة بل نرى في كثير من الحالات شراسة في التعامل من قبل من خلقن على طباع الرحمة والحنو ، ان ما يحصل في جامعاتنا ومدارسنا لا يجب ان نحمله للطالب وحده ، تلك الصفحة البيضاء التي أتت ليكتب عليها مدرسوهم وأساتذتهم والذين من المفترض ان يكونوا القدوة والمثل الأعلى لهؤلاء الطلبة .
يقول احد أساتذتنا الكبار ان الطالب الجامعي او حتى في المدرسة ان لم تشغله فإنه يشغلك . أليست هذه حكمة ؟ وهي حقيقة ! يجب ان يعمل بها أساتذة الجامعات ومعلمو المدارس ، اين نحن من ملء أوقات الطلبة بالعلم والبحث ؟ بدل ان نترك لهم هذا المجال الفسيح ليشغلون المجتمع بأسره من خلال المشاجرات والمناكفات بسبب الفراغ الذي يعيشه الطلبة. أما على صعيد المؤسسات الطبية أليس الطبيب والمريض ضحايا لتقصير هنا او هناك ؟ فهل الطبيب العام الذي يكشف على مائة او يزيد من المرضى في اليوم الواحد ألا ينتاب عمله شيء من التقصير في رعايته للمريض ؟ وهذا ليس بذنبه كما نعلم ، فهو كذلك الأمر يعاني ، وبالمقابل أليس من حق المريض او ذووه رعاية طبية كاملة فكم هم الذين فارقوا الحياة بسبب التقصير في العناية الطبية او بسبب عدم وجود سرير ! فلماذا اذا نغفل الأسباب ونذهب الى الظاهرة ؟ أليست هذه هي أسباب المشاجرات ؟ سواء في الجامعات أو المراكز العلاجية ثم أين دور الأهل والمدرسة في التربية الوطنية وزرع الانتماء لهذا الوطن ؟ وليس إلى تعدد وازدواجية الولاء والانتماء وهذه هي الأخرى لا تقل عما ذكرنا من أسباب لهذا العنف المتفشي . فأما الظلم فحدّث ولا حرج بسبب المحسوبية والشللية والواسطة التي أصبحت سيوف مسلطة على رؤوس الناس ، فكم من أصحاب الحقوق سرقت وسلبت حقوقهم وأخذت لتعطى لهذا او ذاك من أولاد النعمة المسنودين من قبل هذا المتنّفذ او ذاك فما ذنب هؤلاء من أبناء العمال والفلاحين والعسكر ليسلَب حقهم ويمنح لغيرهم أليسُ هؤلاء بمواطنين ؟ وهل ابن الوزير أكثر منهم ولاءً وتضحية حين يجدّ الجد ! كنت أتمنى حين استضاف الإعلامي الذي أجله واحترمه الأستاذ عساف والذي دائماً ما ينصف الطرف الغائب والمغيب وهو المواطن من قبل من يستضيفهم والذين دائماً ما يحمّلون الناس مسؤولية كل شيء ولست ادري استرضاء لمن تقلب الحقائق ؟ وهل هناك من هو أهم من الوطن ومصالحه ؟ لماذا لا نقول الحقيقة حتى لو كانت ُمرة ، والناس لديهم من الحمية والنخوة والشجاعة ما يجعلهم يتفهمون ظروف بلدهم حين نضعهم بحقيقة الأشياء لا بتنميقها وبذلك نخدعهم . لنقول وندعي أشياء وعلى ارض الواقع هناك نقيضها فهذا ما يستثير المواطن ويدفعه الى سلوك العنف مكرهاً . ربي اجعل هذا البلد آمنا مستقراً وأحفظه من المنافقين ........
.بقلم عصام البطوش