عند زيارة أي من مدن الخليج، يلفت نظرك الكم الهائل من محلات البقالة \" الدكاكين\" المنتشرة في كل زاوية وتديرها في الغالب عمالة أسيوية، تعيش على خدمة التوصيل المجاني للبيوت وهذا بصراحة \" آخر دلال\".
الحديث عن الدكاكين في الخليج يقودني للحديث عن الدكاكين في الأردن أيام زمان\" سقا الله أيام زمان\" حينما كانت \"الدكانة\" مصدر للرزق وكسب العيش، صاحبها رجلٌ \"غانم\"،صادق، أمين، يحب الناس ويحبونه ، كيف لا وهو الذي \"يداينهم على الدفتر\" لآخر الشهر،أو حتى آخر العمر. رجل يستقبلك بفنجان قهوة تفوح منه رائحة الأصالة، مصحوباً بصوت سميرة توفيق، و توفيق النمري و\"مرحى لمدرعاتنا\". أهم ما في دكاكين زمان أنها كانت مجالس أمة،أعضاؤها \"رجال فهمانين\"، غالباً متقاعدين وخبرتهم في الحياة طويلة، يشكلون وزارات ويقيلون أخرى، يناقشون الشأن السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، يخوضون في كل شي، يتفقون ويختلفون، ولديهم \"اتجاه معاكس\" قبل أن يعرفه السيد فيصل القاسم. كانت دكاكين زمان صالونات سياسية نظيفة،ومحطات تبث أخبار عالمية ودولية ومحلية تفوق ما تقدمه \"قناة الجزيرة\" نفسها.رواد دكاكين أيام زمان كانوا \"رجال رجال\"، حُرِم معظمهم من المدارس، لكنهم تربوا وتخرجوا من المجالس ،وأي مجالس، مجالس الرجال والوجاهة، والعز والكرامة، يجمعهم الآذان، وصوت القرآن، ويشكرون الواحد المنان على نعمة الأمن والأمان.
دكاكين هذا الزمان أصابتها رياح التغيير ولا تشبه بأي حال دكاكين أيام زمان. أصحابها اختاروا الراحة بعد العناء، أو ملوا من البحث عن وظيفة مناسبة.دكاكين 2010 لا توجد بها قهوة، وصوت تامر حسني فيها طغى على صوت توفيق النمري. أحاديثهم عن الخلوي، والدش، وعروض \"فاست\" و \"اورانج\" إضافة إلى مسابقة \" أحلى بنت مرت في الشارع لهذا العام\". دكاكين اليوم تمدك بكميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون الذي ازدادت نسبته بعد منع التدخين على أساس \" كل ممنوع مرغوب\". رواد دكاكين هذا الزمان أنصاف متعلمين، أو حتى أرباع أواخماس ، تركوا المدارس ، وهجروا المجالس، وعشقوا\" السَبارِس\" .لم تعد الدكاكين مجالس أمة، ولا منابر حرة، فمجلس الأمة موجود هناك في عمان\" القلب\" ، والمنابر الحرة أكثر من \"الهم على القلب\".
دكاكين زمان.......... كانت برلمان،روادها رجال يمتازون بالحكمة والعقل والاتزان، يناقشون ، يحللون، يخططون لنوائب الزمان،يحبون عمان، ولا يبدلونها بالجنان.
دكاكين \"هالزمان\".....أصبحت أوكار إدمان ، روادها صبيان، يعشقون الدخان، ويصاحبون الفئران، ولا يعرفون اتجاه مدينة عمان، لا يحترمون صغيرا ولا كبيرا مهما كان،لا يأبهون بصوت الآذان، ولا بقراءة القرآن، وإذا حدثتهم بأمر، أيٍ كان، ردوا عليك قائلينً\" على فرعون.....يا هامان؟؟؟\".
لله درك يا زمان....ليتني أترك كل الترف وأعود إلى عمان.، وأشعر بأنني إنسان، وأجمع كل ثروتي ،وأفتح دكان، مو أي دكان.......، دكان من دكاكين أيام زمان.
د. نعيم فرحان المومني - الامارات العربية المتحدة-أبو ظبي