تعتبر فئة العمال من أكثر الفئات اضطهادًا، حيث إنها الفئة التي تتعرض باستمرار للظلم والقهر من الطبقات الأخرى، وعلى وجه التحديد (البرجوازية) والرأسمالية والكمبرادور، هذه الفئات التي تعتبر العمال جزء من استثماراتها، أو كأحد ماكنات الإنتاج في ظل عجز القوانين عن حماية الفئة العمالية، وتوفير سبل الرفاه لها بالرغم من كل التطورات التي شهدها العالم على هذا الصعيد، ورغم ذلك فسرعان ما ينحاز لمبدأ القوة والمال، عملًا بمبدأ \" من يملك المال يملك القرار\".
فهذه الطبقة المهمشه سواء على المستوى العالمي عامة، أو على المستوى العربي خاصة بالكاد تستطيع توفير بعض سبل الحياة التي تكفل الحد الأدنى من حياة يمكن القول عنها بكرامة، وإنسانية، فلا زال العمال في المنطقة العربية يعتبروا من الفئات الهامشية والمحيدة في التركيبة الاجتماعية، التي تنحاز لقوانين أنظمة تنتمي بواقعها للشريحة البرجوازية المنحازة لمصالحها الطبقية، وهو السلوك العام لهذه الأنظمة التي تقف في وجه أي تطور في قوانين العدالة الاجتماعية، وعدالة توزيع الثروات ومقومات البلاد العربية دون استثناء، وهو ما يتضح في آليات تحديد الضمان الاجتماعي، والتأمينات الاجتماعية التي توفرها الدول للعمال، وهي بمعدلها العام لا توفر حد أدنى من سبل الحياة، في الوقت الذي تتمتع به باقي الشرائح بامتيازات اجتماعية واقتصادية وسياسية دون حدود، وقيود.
إجمالًا فإن الطبقة العاملة لا زالت هي الطبقة المسحوقة في المجتمعات العربية، وهي الطبقة التي تعاني من الظلم والقهر الاجتماعي، دون أن تستطيع خلق حالة من الحراك بالرغم من حالة الوعي الفكري والأيديولوجي التي أحدثتها العديد من المتغيرات السياسية والأيديولوجية التي تبنتها الشرائح المثقفة المنبثقة من الطبقة العمالية، إلا أنها لم تستطيع من خلق حالة الحراك الفعلية، وهنا استذكر حوار مع أحد الرموز المنحازة للفكر العمالي في غزة ونحن نناقش سويًا هذا الموضوع، فحدثني عن حكاية حدثت معه وهي، وله الكلام- في تجربتي الاعتقالية في الأردن وأنا أتعرض للتعذيب على يد جندي أردني سرحت فيه، وتساءلت لماذا أُعذب من هذا الجندي الآن، وهو يعلم أن تهمتي الوحيدة إنني أدافع عن حقوقه، فهل يفهم ذلك؟ وهل يدرك أن الذنب الوحيد أنني أطالب بحقوقه بالحياة؟ وصمت قيلًا موجهًا حديثه لي، إن هذه الطبقة لا زالت تخشى التمرد على واقعها وتتخندق في خندق الاستعباد لهذه الأنظمة والطبقات.
هذا الحديث اختزال للحالة العمالية العربية التي نحن جزء منها، وخاصة على المستوى الفلسطيني الذي واجه بداخله ثورة فكرية عمالية تعتبر الأنضج والأكثر وعيًا في المنطقة، ولكن هذه الفئة سقطت أمام الاختبارات الحقيقية، واختارت البرجوازية حاكمًا لها، اختيار الإرادة وليس الإجبار، حيث أن التجربة الفلسطينية شابها نوعًا من الديمقراطية التي ميزتها عن البلدان المحيطة، ولكن هذه الفئة أو الطبقة التي عاشت الفساد والإفساد، والتمايز الطبقي منذ عهد السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م، أعادت الكره مرة أخرى ووضعت سيف البرجوازية على رقابها تارة أخرى في انتخابات عام 2005م، والأمر المريب إنها ركلت حاملوا لواء همومها، وألقت بهم في غياهب الأقلية وهو ما يتطلب مراجعة نقدية وفكرية طويلة وعميقة لهذه التداعيات، وهذا السلوك.
وها هي التجربة تعيد نفسها مرة أخرى، حيث أن العامل الفلسطيني الذي عانى من الاحتلال أولًا، ومن البرجوازية الوطنية ثانيًا، وعاش حالة التسول والظلم والاضطهاد والقهر غير المحدود، إلا أنه عند المحك الفعلي ترك كل ذلك خلف ظهره وانحاز للشعار البرجوازي، وسحر ببريقه الشهواني، ففقد انتمائه لطبقته وتناسى كل ما وقع عليه من ظلم وقهر، وبذلك تكون الطبقة العمالية الفلسطينية افتقدت لبؤرة التركيز وغضت النظر عن مصالحها وحقوقها، ولجأت للخيارات الأخرى، وهنا يتبادر سؤال هام أين الخلل؟!!
في حالة تشخيص الخلل تشخيصًا موضوعيًا يجب دراسة سيكولوجيا المجتمعات، وخاصة المجتمع الفلسطيني، وتحديد الأسباب وفق ها التشخيص والانطلاق على قاعدتها بإعادة صياغة الشعار الذي تتبناه القوى العمالية، والعلاقة مع الطبقة العمالية نفسها، إضافة للتجديد والتغيير في النهج العام على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية، لإدراك الأزمة الحقيقة. وهو ما يعتبر السبيل الأصح لتشخيص العلة، والتي من خلالها يتم البدء في رسم السياسات الناجعة.
وما تقدم من إخفاقات يعتبر ضد القوى الحزبية التي تتبنى هموم العمال أيديولوجيًا وطبقيًا، حيث فشلت على مدار ما يقارب نصفف قرن من التعبير الفعال عن العمال، وحسمهم لصالحها، وفي الجانب الآخر من الأزمة الوعي وحالة اللاوعي المتوازية التي تنتاب الطبقة العمالية الفلسطينية، فهي تمتلك الوعي المؤطر لواقعها، وتمتلك مفاتيح التنظير الفكري والأيديولوجي في تشخيص واقعها، في حين إنها تمارس حالة اللاوعي في المحك الفعلي والعملي، وتلجأ للهروب إلى الخلف، وتخشي الاندفاع إلى الأمام، فتلجأ للحلول المعلبة الجاهزة، وتتبنى الشعارات دون العودة للجذور الجوهرية في تحديد الصراع، وخلفياته، وهو ما يعني استمرارها في ظلم وقهر واستعباد، دون وعي وممارسة في الواقع.
هذه الحالة تنطبق على واقعنا العربي عامة، وواقعنا الفلسطيني خاصة، في حين أن بعض المجتمعات الأكثر تطور تعيش حالة من التمرد والثورة الاجتماعية التي حققت من خلالها العديد من المنجزات والمكتسبات للطبقة العمالية حتى في واقع الدول ذات الطبيعة والنظم الرأسمالية.
\" إذن لا يمكن للقوى الأيديولوجية والفكرية العمالية العربية والفلسطينية أن تحقق أي نجاحات في واقع طرحها البروليتاري وممارستها البرجوازية على أرض الواقع، فالأحزاب العربية والفلسطينية بشكل عام، وخاصة تلك التي تتبنى النهج العمالي هي بالحقيقة أحزاب تقودها شرائح من البرجوازيات أو التي تبحث عن التبرجز في واقع الأمر، ولذلك فأزماتها أزمات هيكلية وليس فكرية\" ويتطلب منها إعادة صياغة لشخصيتها الفكرية أولًا، وممارستها العملية ثانيًا.
سامي الأخرس
SAMYAKRAS_64@HOTMAIL.COM
الأول من آيار (مايو) 2010م