اعتلى الخطيب المنبر, الورقة في يده تهتز, الحمد لله رب العالمين, لم أستطع تمييز حركة الباء, لكن ما استطعت تميزه وبكل تأكيد أنه لم يكسرها, يبدو أن خطيبنا المُجتبى هذه الجمعة ضد الكسر, الجملة الثانية لم يكسر فيها أيضاً أي كلمة, الثالثة أيضاً, بديع هو, لحظة واحدة, هو أيضاً لم ينصب خبر كان, وأظن أنه ترك اسمها بلا رفع, ممتاز, لقد عرفت السر, صاحبنا اتبع أسلوب التسكين, ليتني كنت أحمل حينها سكين!
تذكرت شيخي موسى أطال الله في عمره حينما ساق لنا قصة طريفة - ليفرفش الجو قليلاً وليكسر جمود درس الفقه - عن ذلك الخطيب المُفوّه الذي كانت تهتز لصوته جنبات المسجد, وكان حينها يتكلم عن أحوال الأمة, فقال سلـَّمه الله: أيها الناس, إن الزناعم والبلاطم ,,, وعندما أنهى خطبته سأله أحد المصلين عن هذين المصطلحين, فقال له لا أدري, هكذا قرأتهما في أحد الكتب وأنا أحضّر لكم هذه الخطبة, لكنني أظنهما نوعين من الفتن التي ابتليَ بها أهل بلاد الشام. رجع صاحبنا إلى المصدر الأصفر فإذا مكتوب فيها: إن الزنا عمَّ والبلا طمَّ, أي تفشت الرذائل وحق البلاء على الخلائق.
يبدو أنني قد سهوت أكثر من اللزوم, فلم أفطن أن خطيبنا قد دخل في صلب الموضوع وأنا لا أدري, على العموم لم يفـُتني شيء, سأحاول التركيز حتى أعوض هذه السهوة, وبصعوبة بالغة وبربط دقيق فهمت أن الرجل يحاول أن يبين عظمة الدين على اعتبار أنه دين شامل وواسع, والحديث فيه لا ينتهي, ويمكن أن تكون متديناً أخي الكريم دون الحاجة إلى أن تتطرق إلى مواضيع جانبية فرعية معزولة, فالسياسة لها أهلها, والحديث عن ارتفاع المحروقات يعد من خوارم المروءات, وانتشار الخمّارات والأندية الليلية موضوع لا يناقش في مسجد, العراك المجتمعي والشجار الجامعي ليس من نقائض الوضوء, وحصار غزة, مسألة سيادية تقررها اللجنة الرباعية, وهي بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, فيا فوز "المستغفرون" استغروا الله.
أستغفر الله العظيم من كل أمر مشين, اللهم إني أبرأ إليك ممن يعبث بمنابر المسلمين, اللهم ارحمنا من أن ينزل غضبك علينا بما يفعله ويقرره ويعيـّنه السفهاء منا, اللهم من أراد بهذه الأمة المستضعفة قوة ً ومنعة ً ورفعة ً اللهم أعـِنهُ وقو ِّ من عزيمته وبارك له في عمره, ومن أراد بنا ضعفاً فوق ضعفنا وذلاً فوق ذلنا وكآبة ً فوق كآبتنا فلا توفـّق له أمراً ولا تيسّر له سبيلاً وكافئه بما يستحق, اللهم ,,,
قطعت إقامة ُالصلاة دعائي والتجائي للسميع العليم, يبدو أنني أيضاً قد سهوت أو اندمجت بدعائي العريض لدرجة أنني لم أنتبه للخطبة الثانية التي لا أظن أنها كانت بروعة الخطبة الأولى الشاملة الجامعة.
"استووووا" استقيموا... إنا أعطيناك الكوثر, قل هو الله أحد, السلام عليكم ورحمة الله , السلام عليكم ورحمة الله, يعلو صوت باعة الخضار, والأدوات التي من فصيلة " كل شيء بدينار" , كهل يدخن سيجارة الحرية, وآخر أضاع فردة حذائه البُنيـّة. إلى لقاء متجدد في يوم جمعة في إحدى البلاد العربية.
م. جمال راتب