أصبحت العولمة في طليعة مشاغل النخبة المثقفة الغربية والشرقية على السواء، والتي ظلت ترصد ضغوطها وإفرازاتها اليومية، وتطلع على برامج وخطط الماسكين بزمامها بفضل حرية الإعلام وحق الوصول إلى المعلومة، وإن كانت النخب في المجتمعات النامية لا تزال تجتر في كل الحالات ما ينشر في الغرب صانع العولمة والمنظر لها، كما هو الشأن بالنسبة لظاهرة الحداثة أو ظاهرة النظام العالمي الجديد.
والواقع أن مفهوم العولمة لا يزال غامضا ً بالرغم مما كتب عنه، ومن الطبيعي أن يختلف المفكرون في فهمه وتحليل أبعاده باختلاف انشغالاتهم الفكرية وانتماءاتهم الإيديولوجية من جهة، ومدى إطلاعهم على خفايا الظاهرة ودقائقها من جهة ثانية.
وأمام التحديات العالمية، فقد أقام الأردن سياسته الاقتصادية منذ الاستقلال على مبدأ حرية المبادرة واقتصاد السوق. وكان من باب التطور المنطقي، في ظل النظام الدولي الجديد وعولمة الاقتصاد، أن يختار تحرير اقتصاده والانفتاح على الأسواق الخارجية.
وينطلق هذا الاختيار من القناعة بكون الانفتاح ضروري، والعولمة ظاهرة لا رجعة فيها، وهي بقدر ما تفرضه من تحديات وما تتضمنه من مخاطر، توفر فرصا ً حقيقية للاستفادة من دينامية الاقتصاد الدولي وحركة رؤوس الأموال واكتساب التكنولوجيا.
ويقتضي الاندراج الإيجابي في مسلسل العولمة، مسبقاً، إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني لمده بما يلزم من المناعة لمواجهة التحديات المرتبطة بالانفتاح. ويكمن أهم تحد في هذا الشأن، في مدى قابلية الفاعلين لإنجاز التغيير الذي تتطلبه إعادة الهيكلة، في ظرف لا يتجاوز عقدا ً من الزمن. كما يتمثل في مدى قدرة الاقتصاد الأردني على توفير عرض تنافسي في الأسواق الخارجية والصمود أمام المنافسة التي سيواجهها في سوقه الداخلي من جراء الانفتاح.
وبالنظر إلى الارتباطات الوظيفية بين المكونات الاقتصادية والاجتماعية للنسق المجالي الوطني، فإعادة التأهيل لا يجب أن تنحصر في الحقل الاقتصادي، وإنما يتوقف إنجاحها على إدماج كل هذه المكونات في مسلسل التغيير الذي يستلزمه رفع تحديات الانفتاح.
ومن بين المحاور الإستراتيجية التي تحظى بالأولوية في إطار إعادة الهيكلة :
•الرفع من أداء المقاولة الوطنية، بتحفيزها على تطوير تنافسيتها بإخضاع منتجها لمعايير الجودة المعمول بها دولياً، والتكيف باستمرار مع تغيرات السوق العالمية، والتحكم في مناهج التدبير العصري.
• توفير الشروط الكفيلة بتحفيز الفاعلين على اكتساب المهارات والتحكم في التكنولوجيا وإنعاش البحث العلمي من أجل التنمية، كممر إجباري لتدعيم تنافسية الاقتصاد الوطني، سواء تعلق الأمر بمواجهة المنافسة داخلياً أو استعمال الابتكار كأداة لدخول الأسواق الخارجية.
• تحسين المحيط الإداري والقانوني للاستثمار، بملاءمة الجهاز القانوني مع متطلبات التنافسية، وتحديث الإدارة الوطنية بشكل يجعل منها مؤسسة تتوفر فيها شروط الكفاءة والمرونة والمصداقية التي تجعل منها قاطرة للتنمية وتعطيها القدرة على تدعيم أداء الاقتصاد الوطني والتحكم في الانعكاسات المحتملة للانفتاح.
• تأهيل المجال الوطني للرفع من تنافسيته تجاه الاستثمار وملاءمة الأعمال المقررة في هذا الإطار مع الامتيازات المقارنة الخاصة بمختلف جهات المملكة.
د. فيصل المعيوف السرحان
دكتوراه في التخطيط الإقليمي والتنمية
المفرق/ سما السرحان
faisal_mayouf@yahoo.com