عذراً بغداد ... لم يعرف التاريخ نمطاً مخزياً حين يتعلق الأمر برغبة سيد العراق بالتنحي ; فخيارات الرجال هناك محسومة فإما النصر أو القبر , أكتب اليكِ يا بغداد اليوم في الذكرى العاشرة لسقوطنا معاً , أكتب اليكِ وأُرَدِد السؤال بيني وبيني من الذي سقط من قاموس العروبة انتي أم نحن ??
سقطت نخلةُ العراق الشامخة وسقطت حاضرةُ العروبة وبعدها القومي وتبعها سقوط ما تبقى من هيبتنا وفخارنا باستشهاد آخر الأبطال وآخر الرجال القادة في زمان الضعف الذي نحيا وانصاف الرجال الذين نعايش .
عراق الأمس العظيم ما عاد عراقنا وما عادت بغداد حاضرة العرب مثلما كانت فهل ينكر الجبناء كيف ركع العراق برحيا فارسه وكيف حكمت ميليشيات الغدر والعمالة ووزعت التركة فيما بينهم فانقسم
العراق الواحد الى اعراق وكيانات ومحاصصات طائفية .
سلام على العراق وعلى سيد بغداد حين حمى هيبتنا في وجه العدسات الصفوية الوقحة لحظة الإعدام لكي نعلم انه لا غالبَ الا الله ، وسلام على رُمْحِ العراق البابلي الذي كسر سيوف الردة والخيانة في حياته ومن تحت التراب .
تأخذني الكلمات بعيدا في حضرة سيد الشهداء فلا أدري ما القول والمصاب ما زال جلل , وتأخذني الذكريات الى ملاحم العزة والرجولة التي سطرها القائد المهيب في وقت اصبحنا ندرك فيه جيدا ما معنى النهوض في بلد من مرحلة الصفر الى مرحلة التقدم والتصنيع والاكتفاء والهيبة التي خيمت على سمعته بين بلدان العرب ومرابع العربان التي أرادها البعض مزارعاً للفساد والتآمر على رعاياها
ومستقبل الأُمة وقضيتها الأساسية فشتان بين الرمح وكف الاستسلام وشتان بين الماضي واليوم .
سقطت بغداد وما أشبه الأمس باليوم
وانحنت هامت العراق وانفتح بابه الشرقي الموصود في وجه الاطماع على مصراعيه لنشهد ولادة عصر جديد للقتل على الهوية والموت المجاني المتاح لجميع العراقيين برحيل فارس بغداد وسيد الرافدين .
من أمم نفط الشعب وألزم التعليم وأوفد العلماء وبنى جيشاً مهيباً كان يستحق الأعدام وغيره من طويلي العمر يرفلون في ثوب التوريث والانقياد وتشهد لهم ساحات لاس فيغس ولادة شماغ البسام كأعظم انجاز حضاري عربي في وجه الصناعات الحربية والتقنية في بلدان العالم وتبعها ولادة الدشداش والبشت والغثرة لتعبر عن الإرادة السياسية الوطنية للعربان حين تنوي النهوض باوطانها المتخمة نفطاً وغازاً وثراءاً ومن حولهم عرب
يعانون ويلات الفقر والمديونية والبطالة وسوء توزيع الدخل القومي للأمة الأسلامية فكانت العراق حاضرة بمشهد الحسرة وكان سيدها مضربا للأمثال عندما نستذكر فقرنا وقلة دعمنا وهوان شأننا بين العربان المتخمين من فوائض الموازنات النفطية .
خمدت شعلة العراق في ليالي الاغتراب القومي والعربي التي نعانيها وانطفأت معها لهفة الشيوخ والأطفال والفقراء امام شاشات التلفاز ليرقبوا لحظة نزول صدام حسين على سلم الطائرة ضيفاً مهيباً وكريماً لطالما عشق الأردن وشعبه المرابط في جميع زياراته لحضور مؤتمرات القمم في عمان ولقاء الراحل الحسين عليهم جميعا رحمة الله .
سلام على العراق حين كان لنا وسلام على شقيقتنا الكبرى بغداد التي ما عادت لنا .
majali78@hotmail.com
خلدون المجالي