وحدة تنمية المجتمع المحلي أو التعليم المستمر هي صروح هامة ويمكنها الاستعانة بإمكانات الجامعة تلك لتقديم خدماتها، إذ يتوفر لديها نخبة من أعضاء الهيئة التدريسية وذوي الخبرة،كما وتستفيد في تقديم خدماتها من مرافق الجامعة المتنوعة من قاعات ومختبرات وأجهزة ومعدات تجعلها الأقدر على تقديم خدمات تدريبية وفنية ودراسات مميزة وبتكلفة مناسبة. وانطلاقاً من فلسفة الجامعات الرامية إلى ربطها بالمجتمع فقد تأسست فيها تلك المراكز تحت هذه الأسماء المختلفة وذلك بهدف خدمة المجتمع. وعليه فمن المتوقع أن يعمل المركز على تقديم خدمات منافسة عالية الجودة وتطوير حلول خلاقة وإبداعية. وقد وضعت الجامعات تعليمات لكل مركز أو وحدة تعليمية حيث أشارت المادة الرابعة من التعليمات ولأكثر من جامعة إلى أهداف منها:
إجراء البحوث العلميـة التطبيقيـة التي تخدم أهداف التنميـة الوطنيـة المستدامـة، وإطلاق برامج بحثيـة متخصصـة في هذه المجالات، وإنشاء قواعد بيانات علميـة متخصصـة حول خصائص المجتمعات المحليـة وواقعها وأتاحتها أمام صناع القرار والباحثين.
إجراء المسوح العلميـة المجتمعيـة والنوعيـة وتحديثها بشكل دوري، وتقديم الاستشارات الفنية لمختلف القطاعات الإنتاجية والمجتمعية.
تقديم خدمات اتصاليـة تنموية للمجتمعات المحليـة في إقليم الجامعة، وذلك بالاستفادة من تطبيقات الإعلام والاتصال التنموي.
المساهمـة في رفع سويـة الأداء في مؤسسات القطاعين العام والخاص.
تنفيذ البرامج التدريبيـة وبرامج التأهيل على المستوى المحلي والإقليمي ومنح الشهادات الخاصة بها.
المساهمـة في تطوير القدرات المعرفية والفنية للعاملين في الجامعة، وتنميـة قدرات الجامعـة في تقديم الخدمات للمجتمع.
المساهمـة في تهيئـة خريجي الجامعـة لسوق العمل بالتعاون مع الجهات المعنيـة، من خلال تزويدهم بالمهارات اللازمـة وتوفير فرص الدعم والتدريب والتأهيل اللازم وتعريفهم بسوق العمل واحتياجاته.
هذا كله جميل إلا أن الغريب أن لا تتطرق أي من التعليمات إلى جانب هام من جوانب التعليم المستمر وهو فتح أبواب الجامعات للراغبين بالعلم دون أن يكون ذلك من خلال دورة أو ندوة أو ورشة عمل أو محاضرة يتيمة بل من خلال الانضمام إلي مساق كباقي الطلبة المسجلين نظامياًً كطلبة جامعة، أي بتسجيل مواد بواقع ثلاث ساعات معتمدة لكل منها ويعامل بها كباقي الطلبة المسجلين، ويتقدم لامتحان نهائي بنفس الطريقة وبنفس الشروط إلا انه لا يكون هناك إلزام للجامعة بمنحه درجة علمية بل العلم لذاته، ولمساعدة الراغبين بالحصول عليه.
في الحقيقة هناك دوافع عديدة لتنفيذ هذا الأمر اذكر منها ما يلي:
العديد من الخرجين السابقين بحاجة إلى تحصيل علوم لم تكن موجودة عندما كانوا على مقاعد الدراسة وقد يكونون بحاجة لها ألان فلما لا نساعدهم على تحديث معلوماتهم.
عند تقدم بعض الخريجين حديثي التخرج إلى بعض الوظائف يتم مقارنة كشوف علامات بعضهم ببعض وذلك لاختلاف أماكن الدراسة ويتم التوصية بتعيين الدارسين لمواد أكثر في حقل معين وعليه فأن إعطاءهم فرصة تسجيل مادة أو أكثر سيحسن من فرص حصولهم على عمل.
إن العديد من المتقاعدين بحاجة إلي ملء وقت فراغهم بالمفيد من العمل أو العلم وهذا حق لهم على المجتمع الذي خدموه فما المانع من أن يوفر لهم المكان المناسب والبيئة المناسبة لذلك.
إن بعض الأشخاص لم يكونوا محظوظين أو لم تتح لهم فرصة العلم أو الالتحاق بالجامعات فلم لا نحقق لهم رغباتهم وأحلامهم، أليست الجامعات مال عام وللجميع الحق به؟
أن ربات البيوت من غير العاملات سيجدن بيئة تكسبهن علماً وخبرة وحوارا فكرياً قد يكن بحاجة له فلا يعقل أن يبعد الإنسان عن مصادر المعلومة وهو يشعر انه بحاجة لها فما المانع من حضور من تستطيع منهن محاضرات مسائية إن أمكنها ذلك.
أن فتح أبواب الجامعات للخريجين العاطلين عن العمل سيبقيهم منجذبين للبيئة العلمية التي ألفوها لحين حصولهم على فرصة عمل مما يكسبهم المزيد من الخبرة والعلم وهذا أفضل لهم من خيارات أخرى قد لا تكون في صالحهم طبعا. وفي جميع الأحوال لا بد من وضع تعليمات إضافية لهكذا تعليم تتعلق بالرسوم وشهادة دراسة مادة أو أكثر الخ.
أن فتح باب التعليم المستمر بهذه الصورة سيشكل مصدر دخل للجامعات هي بأمس الحاجة إليه ودون تكلفة مالية إضافية تتكبدها الجامعات، فالمحاضرات قائمة بوجود المسجلين من خلال برنامج الدراسة النظامي، وسيتماشى ذلك مع الأهداف التي وضعتها الجامعات نصب عينيها بهذا الخصوص كما أشارت إليه تعليماتها.
إن انخراط أبناء المجتمع في بيئة التعليم المستمر سينتقل بفكر العديدين منهم إلى أن الجامعات والعلم غير مقرونين بمرحلة عمرية معينة، وإنهما للجميع، وان العلم لذاته وليس دائماً للحصول على درجة علمية وأن أبواب قاعات العلم مشرعة لهم متى رغبوا دخوله،ا ومتى مكنتهم ظروفهم من ذلك، وان الجامعات صروح فكرية لهم وفي أي وقت احتاجوا فيه إليها، فيزيد ذلك من حرصهم عليها وحتى بعد التخرج منها وسيعطيهم الشعور بأن العلم حق للجميع وانه وان فاتت احدهم الفرصة لا بد وان يجدها لاحقاً، فجامعات الوطن إنما أنشئت لهم وبانتظارهم ونكون بذلك قد مكنّا مجتمعنا من الاستجابة لأمر كلّف به، غاية في الأهمية ومحاسب عليه وهو \"أقرأ\" وستصبح النظرة للجامعات بأنها أماكن للتعليم المستمر لا الأبتر.
أ. د. مصطفى محيلان muheilan@hotmail.com