1)
بقلم : العميد المتقاعد فتحي الحمود
تمهيد : بتاريخ 7-6-2001 نشرت لي صحيفة \" الدستور \" الأردنية اليومية مقالا بعنوان \" إعادة كتابة تاريخ القضية الفلسطينية , وتوثيق الإنتفاضة\" . وصادف أن كان ذلك اليوم هو اليوم الثاني لتقبلي العزاء بوفاة أخي الأكبر ضيف الله , رحمه الله . وعندما حضر سمو الأمير الحسن بن طلال لبيت العزاء , شكرني سموه على تلك المقالة وإمتدحها وأيد ما ذهبت إليه فيها ...ولقد كرمني سموه مشكورا بأن أرسل لي كتاب شكر وتقدير , وشجعني على الإستمرار في الكتابة.
وبعد مرور ما يقارب العشر سنوات ...لازالت تلك الفكرة التي لم تجد عيونا قارئة , وآذانا صاغية تراودني بين الحين والآخر ...خاصة عندما ألتقي شبابا ورجالا فلسطينيين وعربا لا يعرفون أساس الصراع العربي الصهيوني ...وكثير منهم يعتقد أن الصراع بدأ منذ العام 1948 وهو عام النكبة , وقيام دولة الكيان الصهيوني .
وهذا يجعلني ألح على الجهات المعنية بهذا الصراع , حكومات , مؤسسات , مراكز بحث ودراسات , مؤرخين وغيرهم بالطلب بإعادة كتابة تاريخ هذا الصراع كما ينبغي وبشفافية وصراحة وصدق بعيدا عن المصالح . تاريخ يوضح ويبين المراحل المفصلية لصراعنا مع عدونا الدائم والمعلن .
لابد لهذا الجيل والأجيال القادمة أن يعرف صانعي هذه المأساة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني العظيم ...وعليه أن يحفظ أسماءهم والتواريخ والأوقات التي عاشوها ...ويعجبني قولا للكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل معنونا فيه أحد فصول كتبه المهمة والشهيرة : \"الإهتمام بالسياسة فكرا أو عملا يقتضي قراءة التاريخ أولا - لأن الذين لا يعرفون ما حدث قبل أن يولدوا , محكوم عليهم أن يظلوا أطفالا طول عمرهم \".
وإذا جاز لي أن أعلق على هذا القول الصحيح فإني أقول : \" لا فض فوك أيها الأستاذ الكبير . وأسأل : كم من سياسيينا وصناع القرار في وطننا العربي الكبير لا يزالوا أطفالا ؟؟؟؟\".
*************************************************************************************
مقدمة ضرورية لكل ما هو آت :
بعد تقاعدي المبكر في نهاية العام 1990 وبناء على طلب وإلحاح مني بعد خدمة إستمرت 26 عاما في جهاز الأمن العام ...وبعد إستراحة طويلة إستمرت ست سنوات ونصف السنة ...وجدت نفسي مندفعا نحو الكتابة الصحفية في القضايا الوطنية والقومية ...وهذا الشيء - كما هو معروف - يحتاج لكثير من القراءة ...فلجأت لمجموعة جيدة من الكتب التاريخية والدينية والفلسفية في مكتبتي الخاصة , أبعدتني عنها مشاغل العمل أحيانا ...والكسل أحيانا أخرى ...فعدت لها مشتاقا ومتلهفا للغرف والنهل مما تحتويه تلك الكتب القيمة لكتاب كبار ...وبعد أن إنتهيت من قراءة مجلدين بعنوان \" تاريخ العرب \" وتسجيل ملاحظات عنهما ...تأكدت أن العروبة عرقا ...وأنني أنتمي لأمة عريقة تمتد جذورها لأكثر من 6000 عام .
إلا أن كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل وغيره حركت في نفسي محاولة فهم أساس الصراع العربي - الصهيوني ...وهنا أريد أن أسجل إعجابي بالجهد الرائع المبذول في سلسلة الكتب الثلاثة التي حملت العنوان \" المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل \" ...وهي ما دفعتني للبحث أكثر في الكتب ومن خلال الشبكة العنكبوتية عن تفصيلات أكثر لمعلومات لم تأخذ حقها من الشرح والتفصيل ...ستعرفونها من خلال قراءة الأجزاء القادمة من هذا المقال الدراسة ...إلا أنها تحتاج لكثير من الصبر والتحمل ومحاولة دائمة لتأكيد الربط بين الأحداث الذي أبدأه في هذه السلسلة من المقالات بمساحات معقولة ...ولا يمكن إختصارها أكثر مما فعلت ...وإلا أصبحت مجرد صرخة بصوت خافت في واد سحيق لن تحقق ما أرمي إليه ...ألا وهو تحفيز العقل العربي عموما , والفلسطيني خصوصا على إعتبار أن الأمر يخصه بالدرجة الأولى , ومحور الموضوع ومركزه هو فلسطين وشعبها العزيز على قلوب كل العرب .
وحتى لا يفسر كلامي على غير ما أريد ...فإنني أطلب ممن لديهم أية إضافات مهمة أن يكتبوها بشكل واضح , وبلغة عربية سليمة , وبالإسم المفتوح , واللقب أو العمل إذا وجد ...المقصود من هذا الطلب التوثيق الصحيح للمقالات والتعقيبات المفيدة التي تثري الموضوع و لاتحرفه عن مقصده السامي !!!
هذا شيء ...أما الشيء الثاني ...فإن الخلاف في وجهات النظر لربما سيبدأ إعتبارا من الجزء الرابع أو الخامس ...وهذا لن يفسد للود قضية شريطة عدم الإساءة لأحد بمن فيهم كاتب هذه السطور ...فأنا كاتب هاو متبرع بالكتابة لوجه الله تعالى والأمة والوطن والشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ...ولا أقبل المزاودة من أحد كائنا من كان ...وحتى يعرف القاريء الجديد لأفكاري فإنه إبتداء أريد أن ألخص آرائي الثابتة وخطوطي الحمراء كالتالي :
- أنا لا أعترف بالكيان الصهيوني حتى ولو إعترف الجميع به , وحتى وإن تحقق وهم السلام معه .
- فلسطين عندي هي فلسطين الطبيعية من الماء إلى الماء , ولا أسامح أحدا كائنا من كان فرط أو يفرط أو سيفرط بحبة تراب من أرضها الطاهرة الطيبة .
- حق العودة والتعويض للشعب الفلسطيني حق مقدس لا يجوز التنازل عنه في مقابل أي مكان آخر في العالم ...وأن التهاون في هذه المسألة يعني تقديم أكبر وأهم خدمة مجانية لدولة الإحتلال الصهيوني . وأن الإصرار على هذا الحق ولو بعد ألف عام هو ما يقلق دولة العدو , ويبقي قضية العرب الأولى حية ويمنعها من النسيان و الموت و الزوال .
- لا أخون أحدا ...ولا أزكي أحدا ...فيما كل ما أكتبه ...وسأترك الحكم للقاريء الذكي والفطن والمثقف والمتابع والمنطقي والمسؤول والمثابر .
- أؤمن بالمقاومة المسلحة طريقا وحيدا لتحرير فلسطين من الإحتلال وأعتبر جميع المساعي لإيجاد حلول \" إستسلاميه \" ليست أكثر من تقديم خدمة للعدو لكسب الوقت ...والوقت - كما أعتقد - يصب في مصلحة العدو وليس العكس كما يتوهم البعض .
- وعلي هنا توضيح مسألة على غاية من الأهمية ...وهي أن ليس كل ما يعرف يقال ...وأن ليس كل ما يعرف يمكن نشره من دون مساءلة قانونية ...وهو ما لا أريده لمواقع الكترونية تتلطف علي بنشر ما أكتب.
***************************************************************************************
وعودا على بدء .....
قلت أنني أنتسب لأمة هي خير أمة أخرجت للناس ...وهذا مبعث عز وفخار لكل من يتشرف بالإنتماء لهذه الأمة العظيمة ...هذه الأمة التي خرج من جزيرتها حملة رايات الحق والإيمان ...إنطلقوا حفاة عراة وعلى أقدامهم يقطعون الصحارى بما فيها ...يحملون رايات الحق والعدل والمساواة والدعوة للإيمان بالله تعالى , ورسوله العربي الأمي الصادق الأمين سيدنا محمد (صلعم) ...مسلحة بالإيمان ولا شيء غير الإيمان ... وعلى قاعدة إما النصر أو الشهادة ...وأن الفئة الصغيرة تغلب الفئة الكبيرة من الضعيفة قلوبهم ...فكان الرجل منهم بمائة رجل من الروم والفرس ...ومكنهم الله تعالى بالنصر في جميع معاركهم في بدايات الدعوة والفتوحات وتثبيت الدولة فيما بعد .
الشواهد على ذلك كثيرة ...وكثيرة جدا ...لا يتسع المكان لذكرها في هذه العجالة .
أمة تعترف بالآخر ولا تنكره ولا تلغيه ...وهو الشيء الذي مكن قياداتها العظيمة للوصول إلى أقاصي الدنيا المكتشفة من دون إلغاء لأحد لا عرقا ولا لغة ولا عادات ولا تقاليد ...والأهم لا إحلال لأحد مكان أحد آخر . ومن هنا تنبع عظمة هذه الأمة ...التي حافظت على هويتها ...وضمنت للآخرين هوياتهم الوطنية والقومية ...وهو الشيء الذي قد لا يوافق عليه البعض ...إلا أنها الحقيقة الماثلة على الأرض ...وعندما حاول البعض إلغاء هويتنا العربية ثرنا عليه وتخلصنا منه !!!!
************************************************************************************
قلت اننا أبناء أمة نصادق من يصادقنا , ونعادي من يعادينا ...نحاور ولا نقاتل إلا من أراد بنا شرا ...وآخرهم كان العدو الصهيوني ...والذي نحن بصدد مناقشة بدايات وأسباب الصراع المستمر معه ...وعندما أقول الصهيونية , والصهاينة فهذا لا يعني اليهود من غير الصهاينة ...خاصة وأن الأيام أثبتت أن هناك صهيونية مسيحية ومسلمة وعربية !!!!
الحركة الصهيونية منذ أن نشأت وحتى يومنا هذا هي العدو الأول والأخير لأمتنا ...وهي محور الشر المحرك لجميع الحروب والمشاكل في العالم إجتماعيا , إقتصاديا , وسياسيا ...إبحثوا عن \"الصهيو - ماسونية\" في كل مكان فيه قتل ودمار وتمييز عنصري وظلم وإحلال إستيطاني , وفي جميع الأزمات الإقتصادية العالمية ...إبحثوا عنها وستجدونها وراء جميع مشاكل العالم ومعاناته.
والحركة الصهيونية التي سنأتي على تفصيلاتها بشكل أوسع في المقالات القادمة ...هي حركة قومية يهودية ( بالأصل ) كان الهدف من وراء تشكيلها إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين \" أرض الميعاد\" في العام 1897 ...وللأسف فلقد تحقق لها ذلك بعد مرور 51 من ذلك التاريخ .....
.........................
.........................
وكانت النكبة الفلسطينية في العام 1948 ...وما نتج عنها من مآس كثيرة , تمثلت بتشريد شعب بأكمله , وإقتلاعه من أرضه ووطنه الأصلي , وإستشهاد وجرح
مئات الآلاف من أبنائه ...وفوق كل هذا تتجلى أعظم مشكلة إنسانية في تاريخ البشرية ...ألا وهي مشكلة \" اللاجئين الفلسطينيين \" وتعقيداتها التي طالت و تشابكت و تعمقت و تجذرت ...وأيضا الإستيلاء على النصف الغربي من بيت المقدس .
وإذا ما عدنا إلى بدايات الصراع بتعريفه الحالي وليس قبل ذلك - مع أننا يجب أن نعرفه ونحفظه جيدا - فإنني أعتقد أن البداية كانت مع حملة \" نابليون بونابرت \" على مصر ومن بعدها فلسطين , عندما قطع الوعد \" الأول \" بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين العربية الأساس والهوية والهوى !!!
فلسطين التي تعيش في قلوب جميع العرب والمسلمين أينما وجدوا في أصقاع الأرض قبل النكبة وبعدها بسبب نسبها العربي , ومقدساتها المسيحية والعربية ...وما عدا ذلك مجرد وهم وخرافات تعشعش في عقول مسكونة بالوهم , ونفوس مجبولة على القتل والدمار والخراب و الحقد و الكراهيةو تعذيب الآخرين !!!!
ففهم أساس الصراع وطبيعته ومعرفة ظروفه وشخوصه هي المدخل لمعرفة من هو العدو ومن يقف ووقف خلفه حتى حقق مبتغاه وحلمه !!!
.......................................
.......................................
محاولة متواضعة من مواطن عربي أردني مسلم للتذكير ...لعل فيها ما ينفع الناس !!!
فتحي الحمود - الأردن
fathi.hmoud@gmail.com