حين يرتكب الموظف العام خطأ ما فأن كل قوانين وأنظمة المؤسسة تكون جاهزة للانقضاض عليه ، سواء في إحالته إلى المحاكم المختصة إن كان الأمر يتعلق بالمال العام او استغلال المنصب ، أو يخضع لإجراءات التصفية الداخلية بكل أنواعها كالإنذار او الخصم او النقل او الطرد او غيرها مما يتخذ بحقه تبعا للصلاحية الممنوحة او غير الممنوحة للمسئول ، وهكذا تسير النظم والإجراءات لدينا في معظم المؤسسات .
وعلى الجانب الأخر فأن الوزير ( أي وزير ) في بلادنا ونظرا لما يمتلكه من صلاحيات واسعة لانظير لها في العالم حيث لا رقابة ولا محاسبة ولا مرجعية قادرة على تقييم أدائه او محاسبته باستثناء سلطة الصحافة والتي يخشون منها بل ويحاربونها ، فأن ما يجري في بلادنا بات يفوق التخيل والمنطق وحتى العقل في تمادي بعض الوزراء وما يقومون به من أعمال مخالفة للخلق والضمير ومناقضة لقسم الله وعهد كانوا اقسموه بين يدي جلالة الملك المعظم وأمام شعبهم ، حيث لم يحفظوه او يراعوه قيد أنمله ، فهذا وزير يسخر من رسل العلم وبناة التغيير ويخجل من \" هندامهم \" و هو في الأصل يسخر من وظيفتهم التي يعملون بها تبعا للقاعدة النفسية التي تسقط أمراضها على الآخرين ، وذاك الوزير بهمل مناشدات العمال في وزارته بعد ان رمى بهم خارج الوزارة حيث لا حقوق ولا مكافأة تذكر ، وتلك وزيرة أخرى تغمض العينين عن جرائم الاغتصاب والضرب والتعذيب التي يرتكبها موظفيها بحق الأيتام القصر والمعاقين في المراكز التابعة لها دون ان تحرك ساكنا ، وذاك وزير يقرر تعيين مستشارين في وزارة برواتب خيالية تفوق راتب الوزير نفسه لاعتبارات المحسوبية والشللية ، وذاك وذاك مما تسبب به معظم الوزراء من أخطاء بل وخطايا لا تغتفر وكل ذلك دون أدنى مراعاة لمشاعر الناس وكراماتهم ، وكان لها الأثر البالغ على مختلف جوانب حياة الناس .
إن كانت الوزارة تكليف لأداء العمل من اجل خدمة الناس وخدمة البلاد في معظم دول العالم كما نعلم من خلال معرفتنا بدور الوزير في تسيير أمور وزارته ، او الاستدلال عليه من خلال القسم الذي يبدأ به عمله كوزير لإحدى الوزارات في خدمة الوطن والمواطن ، فأنه في بلادنا تشريف وتوزيع حصص وإرضاء لجهات بعينها .
فمنذ لحظة دخول معاليه الى الوزارة نبدأ مرحلة الإعصار بتصفية الحسابات وإجراء مناقلات لا فائدة ولا حاجة لها ، ومن ثم تبدأ مرحلة تقريب البعيد غير الكفء وتقريب غير الكفء بموقع اكبر وارفع ليبدأ هو الأخر مرحلة تصفية الحسابات مع الآخرين ! وهكذا تعيش وزاراتنا في الشهر الأول او الثاني مرحلة \" إعادة البناء والترميم \" بما يليق برغبة الوزير ومحاسيبه ، ومن ثم الانطلاق إلى المرحلة الأخرى وهي الأخطر والمتعلقة بالإفادة من موقعه من خلال إجراء ترتيبات معقده تتمثل بإحالات على التقاعد والاستيداع الإجباري وإحلال أناس آخرين مكانهم من المقربين لكن بأسماء ومناصب جديه كمستشارين او خلق مديريات جديدة من اجل تنصيبهم ، ومن ثم تبدأ المراحل الأخرى المتعلقة باستثمار الوظيفة الى الحد الكبير خشية الخروج من الوزارة دون ان يكون عضوا في نادي أصحاب الملايين بطرق ووسائل في الغالب لا يراجعه احد او يحاسبه عليها باعتبارها صلاحية الوزير ولا يوجد من يسأله او يحاسبه بالمطلق .
لقد اعتاد وزرائنا ومنذ زمن طويل على تلك المسالك حتى باتت ثقافة المنصب ذات القاعدة الثلاثية المشهورة وهي الصلاحيات المطلقة و وغياب المحاسبة واستثمار الوظيفة هي القاعدة التي يلتزم فيها الوزراء سوا أكانوا من الجدد او من القدامى فهي لم تعد خافية على احد من أبناء شعبنا وبات الكل يطمح لو انه ولي الوزارة ليوم واحد فقط !!
لقد أدت تلك الثقافة ( السلوك ) الى تراجع الأداء العام لمعظم وزاراتنا وبالتالي تراجع الإنتاج وبقاء البلاد خارج إطار الدول المنتجة او حتى النامية ، فلم نعد نسير باتجاه النمو بقدر ما تراجعنا خطوات كثيرة نحو الوراء كان لها اثارها المدمرة على مختلف جوانب حياتنا ، فقد تعمقت مشكلاتنا الاجتماعية المدمرة فتبدلت العشائرية من مؤسسة اجتماعية ذات روابط عظيمة الى أفخاذ تتناحر فيما بينها ، وحلت الطلقات والعصا مكان الكلمة الطيبة في تسوية الخلافات ، بل وبرزت خلافات من نوع جديد ما كان لمجتمعنا ان يشهده كحال أسباب الخلافات والمشاجرات في الجامعات او القرى او حتى على مواقف وإشارات المرور ! فضعفت العائلة الكبيرة وانقسمت الى عائلات متناحرة لا دور للشيخ او الجليل فيها يذكر وعلى الجانب الاقتصادي فقد كبر العجز وازدادت المديونية وتعاظمت أرقام البطالة وازداد الفقر والتشرد وازدادت معدلات الانتحار ، وبرز جيلا من الشباب غير المعني بمواقع وحال الأمة ، فغدا فاقدا لأمل التغيير وانفرد بنفسه ليواجه مشكلاته على حساب الوطن والمجتمع ، فأتجه نحو الممنوع عبر المتاجرة بالمخدرات وتشكيل عصابات السطو ، وتغيرت سيكولوجية الشاب في إحلال المسدس والسكين بدل القلم والكتاب ، وازدادت ردود الفعل العصبية غير الصحية أمام أي طاري يسهل علاجه ، وهكذا يسير المجتمع وفي غياب العدالة وتفرد البعض قي قرارات غير قانونية او إنسانية نحو المزيد من التدهور ، فالعلاقة بين محاسبة المسيء والمتجاوز والمعتدي على المال العام والمستغل لوظيفته حتى في المنصب الوزاري وبين ارتفاع الإنتاج وتدني المشكلات الاجتماعية والاقتصادية هي علاقة طرديه بحتة ، فلا نمو دون عدالة ، ولا رفاه اجتماعي دون غياب المحاسبة والمراقبة ، وبالتالي كيف لنا ان ننتظر وعيا وانتماءا من مواطنين يعانون ما يعانيه مجتمعنا في ضل ثقافة الفساد التي أرسى لها الوزراء قاعدة جرى تعميمها على بقية المؤسسات الحكومية في البلديات والمؤسسات شبه الحكومية ، وحملها الشباب ثقافة وسلوكا حيثما حلوا .
العدالة لا سواها ، هي منفذنا ومبتغانا وهدفنا ان أردنا إصلاح ما يمكن إصلاحه ، والعدالة صاحبة العين الواحده ، هذا اذا كنا نريد التغيير الحقيقي .