يقول التاريخ, كانت الحكومات المركزية في الدول الكبيرة والإمبراطوريات, ترسل إذا ما حصل تمرد أو خروج على سلطة الحكومة المركزية, بقوة إلى أهل تلك المنطقة الخارجة على سلطة الدولة المركزية حتى يستقر الأمر وتعود الأمور إلى ما كانت عليه, ويعلن قائد القوة أو الفرقة العسكرية أن الوضع بات تحت السيطرة. عندها, وعندها فقط, يعود القائد وفرقته إلى الدولة المركزية بالإخبار السارة, باستتباب الأمن وعودة المياه إلى مجاريها, وإعادة بسط الدولة لهيبتها وقوتها ونفوذها فوق تلك الأرض. قبل أيام قليلة, كنت اقرأ تصريحا لأحد المسئولين في بلدنا الحبيب, اثر بعض الأحداث المؤسفة التي حدثت في إحدى البلدات وقد توفي أكثر من شخص فيها, وجرت أعمال تخريب وتدمير لبعض الممتلكات , ليطل المسئول ويعلن بلسان طلق فصيح: الوضع تحت السيطرة؟!
لا ادري ما دلالات مثل هذا التصريح, في زمن يسمى بزمن ثورة المعلومات, وانفجار المعرفة, وسرعة انتشار الأخبار, وتعدد مصادرها؟! ولا ادري أي جهة قد تصدق مثل هذا التصريح؟ ومن المعني والمقصود بمثل هكذا تصريح؟ وهل هو للأردنيين أم لغيرهم؟
المواطن الأردني لم يعد ذاك المواطن الذي لا يملك حولا أو قوة حيال ما يسمع ويرى ويقرأ. مثل هذه التصريحات, ربما كانت مقبولة وناجحة قبل أكثر من خمسين عاما, عندما كان المواطن الأردني لا يتصفح الانترنت, ولا يعرف أكثر من لغة, ولا يقرأ الصحف الأجنبية والعربية قبل الأردنية ولا ولا ,,,,,.
المواطن الأردني لا يمكن أن يبقى أسيرا لتصريحات مسئول مقصر في عمله, ولا أسيرا لمسئول لا يعرف عن الأردنيين شيئا, لا يعرف أن نسبة التعليم في الأردن هي الأعلى بين معظم أقطار الوطن العربي مثلا, والمواطن الأردني لا يمكن أن لا يرى إلا ما يراه المسئول, ففرعون جعله الله سبحانه وتعالى آية لنعتبر منها لا أن نسير على نهجه.. المسئول الذي يطلق مثل هذه التصريحات معتقدا انه قد حقق فوزا وانتصارا كبيرا مخطئ, والمسئول الذي يعتقد أن مواطنا أردنيا واحدا قد يصدق مثل هذا التصريح مخطئ. لا ادري لماذا يصر المسئول الأردني على كتم ومنع الحقيقة عن المواطن الأردني؟ ولماذا يزور الحقائق؟ هل لأنه لا يريد أن يكون نذير شؤم ؟ فلا تسمع منه إلا أخبارا حلوة سعيدة؟ أم أن هناك خفايا وأسرار لا يدركها المواطن؟
قبل أكثر من ثلاثين عاما -وهذا ما أعيه- كان المواطن الأردني والعربي ينجذب ويصدق أجهزة الإعلام المعادية والأجنبية, إذا نشرت أي خبر عن الأردن أو أي دولة عربية أخرى. اليوم وبعد كل هذه السنين لا زال المسئول العربي يصدر تصريحات تجعلنا كمواطنين نبحث عن أخبارنا في قنوات أعدائنا, لاعتقادنا أن ما يقوله الأخ المسئول بعيدا كل البعد عن الحقيقة, وان ما يقال عن أحوالنا على لسان أعدائنا اصدق واصح من قول المسئول عندنا..
الوضع تحت السيطرة وحيطنا مش واطي, واللي يقرب ساحتنا نخلي عظامه تطقطق, ونصل الليل بالنهار لخدمة المواطن ,مثال حي على مثل هكذا تصريحات وتطمينات وعبارات, عبارات كلما سمعتها وسمعها المواطن أيقن أن الأمور مقلوبة, وان السيطرة تحت الوضع؟!