قبل شهر من الزمان شاء الله لي بمحض الصدفه بالتعرف على مواطن اردني من محافظة اربد ابتلاه الخالق بالعمى والسرطان وتآكل القدم واجتمعت هذه النوائب في فراش الفقر والبطاله للمواطن ( الصريحي ) عطيه محمد الذي وجد نفسه وحيداً ضاق عليه العيش وتنكر له القريب والبعيد واغلقت دونه مصارف الزكاه من اثرياء قومنا ممن يجمعنا بهم وطنٌ واحد ودينٌ واحد .
وامام هذا الواقع المغلق كنا ولا نزال نؤمن بان للفقير ربٌ يرعاه رغم ضنك العيش والسنوات العجاف التي اجتاحت بيته واوغلت في صغاره فقراً وجوعاً جعلتهم يتكففون الناس ولا يتكففون صناديق الدوله المعنيه بالفقر لايمانهم الاكيد بان الشكوى لمسؤولي بلدنا مذله وبان الخطط الحكوميه الهادفه لحل مشكلة الفقر لدينا عباره عن ( حبر على ورق ) حين نرى ونسمع عن الترف والانفاق الحكومي على السيارات الفارهه واثاث المكاتب وتكاليف السفر حينما تخّوضوا بمال الله بغير حق , ونرى بالمقابل كل اشكال الشح والتقتير التي تمارس على الفقراء والارامل برواتب شهريه لا تسمن ولا تغني من جوع .
الصحافه الالكترونيه كعادتها وهي السباقه لنشر هذه الحالات سارعت لتبني الموضوع وايصال صوت ( الصريحي ) ذو الخمسين خريفاً من العمر للمسؤولين بصندوق المعونه الوطنيه واهل الخير في بلد الهاشميين حيث ان المواطن المذكور تم الاستغناء عن خدماته بعد خدمة خمسة عشر عاماً في احدى الوزارات بلا ضمان او راتب يستر به عورة الحاجه وايجار البيت وبكاء اطفاله من حوله ويشكل ملحمه تجمع الفقر والمرض والبطاله في مشهد انساني واحد في وطن بلغت قيمة مدخرات اغنياؤه في البنوك المحليه عشرون مليار دينار اردني حتى شهر 4/2010 .
صندوق المعونه الوطنيه هرول سريعاً لبيت المواطن الفقير بعد نشر موضوعه واختار اسلوب ( الفزعه ) كحل في مواجهة المشكله التي تفاقمت هي واخواتها نتيجةً لغياب التخطيط العلمي والاستراتيجي لمؤسساتنا الحكوميه وجعلت من ( الفزعه ) علامه اداريه مسجله اردنياً تُمارَس وتُدرَّس حينما بلغنا من الافلاس في تبني الحلول الجذريه عِتّياً , وبالنتيجه تم الاتفاق بين صندوق المعونه الوطنيه / لواء بني عبيد وبين المواطن الفقير على ان يراجع بنفسه الاداره الرئيسيه للصندوق وبان الفرج سيكون قريباً حتى ان عطيه محمد لم يتردد في اقتراض اجرة الطريق لقناعته بان الامور سوف تسير على ما يرام وسيكون سداد دينه قريباً , وفي يوم اللقاء المشهود والذي شكّل حدثاً استثنائياً في ذاكرة ( الصريحي ) تم اتحافه بصرف شيك نقدي بمبلغ مالي ضخم كفيل بحل مشاكله ولجم آفة الفقر والحرمان بلغ مقداره ( خمسون دينار اردني ) جعلته يفكر باصطحاب حراس شخصيين لحمايته من الطامعين وقطاعي الطرق كونه يحمل مبلغ مالي ربما لا يكفي ( فل بنزين ) سيارة احد اصحاب المعالي على حساب جيوبنا كاردنيين , المواطن الاردني الذي وجد نفسه مصدوماً جراء ما حدث عكف على مراجعة صندوق المعونه الوطنيه للواء بني عبيد مراراً وتكراراً لصرف راتب معونه شهريه ربما قد تسهم في دفع اجار بيته الشهري والبالغ اربعين دينار اردني وبعد دراسات مستفيضه اجراها الصندوق على حالته واسلوب البحث والتحري الذي يَفترض بان اي فقير( كاذب وغني) حتى يتم اثبات عكس ذلك جاء القرار بعدم استحقاقه لاي راتب او معونه شهريه بسبب عدم قناعة المسؤولين هناك بحالته وانه لم يصل بعد للمرحله التي قد يفكر فيها ببيع اطفاله وذلك لغايات استحقاقه للمعونه الشهريه !!.
يبدو ان سدنة القرار لدينا من حراس اموال الدوله لا يتعضون وهم يشاهدون سيارة الملك حينما تصل لمعاقل الفقر وبيوت الارامل قبلهم وهم لا يعلمون , وحينما يجالس ( ابن هاشم ) البسطاء والثكالى ويلين لهم الجانب ويشاركهم همومهم وشاي النار ببساطة الهاشميين وتواضعهم عبر آلاف السنين فان هذا المشهد لا يحرك بمسؤولينا ساكناً وبالنهايه يبقى المواطن عطيه محمد يكابد الفقر وآفة المرض حتى الموت جوعاً او قهراً فكلا الخيارين متاحٌ له , ونتذكر بان الامانه التي عرضت على السموات والارض حملها الانسان فكان ظلوماً جهولاً وان اليوم الذي ستجتمع به الخصوم امام رب العالمين سيأتي لا محاله .
وللحديث بقيه ....