زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - ميزة وزير الأوقاف الأردني الشاب الدكتور محمد القضاة الأساسية تتمثل في أنه ملتقط جيد وإستثنائي للرسائل السياسية.
الرجل عمليا هو ‘الشاهد الأردني’ الوحيد الذي وقع على إتفاقية القدس المختصة بالولاية الدينية برفقة زميله الفلسطيني الدكتور محمود هباش.
بهذه الصفة تمكن الدكتور القضاة من مساحة المناورة التي تتيح له الحركة في الإتجاهات المضادة تماما لزميله وزير الخارجية ناصر جودة عند التعاطي مع التحرش الإسرائيلي المهين سياسيا مؤخرا بالولاية الدينية الأردنية لمقدسات القدس.
يوم الإستفزازات الإسرائيلية بالقدس سافر جوده إلى روما للقاء وزيرة العدل الإسرائيلية ليفني فتصدى لمهمة إستدعاء السفير الإسرائيلي وإبلاغه بالإحتجاج شديد اللهجة وزير الخارجية بالوكالة الجنرال حسين المجالي وهو أيضا وزير الداخلية في الحكومة الأردنية.
الوزير القضاة وبعد إتصال تنسيقي تشاوري مع شخصية مهمة في مؤسسة مهمة أوصل ‘همسة’ سياسية جريئة من طراز خاص لرئيس مجلس النواب المهندس سعد هايل السرور.
همسة القضاة كانت تقضي بأن يتحرك البرلمان بإسم الشعب في إتجاهات التصعيد ضد إسرائيل.
السرور فهم من القضاة بان مجلس النواب يستطيع الذهاب لإتجاهات غير مسبوقة في التصعيد تحت عنوان الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى.
الإهانة التي وجهها الإسرائيليون قوية ولا يمكن تجاهلها.. هذا ما قاله الوزير القضاة لأحد كبار المسؤولين مشيرا لان تل أبيب تعبث بالطبق وهي تعرف بأن السماح للمستوطنين بإختراق المسجد الأقصى وإعتقال كبير رموز الرعاية الأردنية الشيخ محمد حسين هدفه الوصول إلى أقصى طاقات الإستفزاز.
القضاة وبإعتباره الشاهد الأردني الوحيد على إتفاقية مكتوبة تضمن للعائلة الهاشمية متابعة الشؤون الدينية في القدس شعر بمسئولية شخصية لكن تحركه في الإتجاه المضاد لإسرائيل ينسجم فيما يبدو مع قرار مرجعي أردني بالرد على إسرائيل وبأقصى لغة ممكنة دون الوصول إلى الصدام.
لذلك إستجاب السرور للهمسة المشار إليها وقرر السماح لجميع أعضاء البرلمان بالتعبير عن رأيهم في المسألة الإسرائيلية.
خلال دقائق كان البرلمان الأردني يموج ويهيج بسلسلة طويلة من لغات التصعيد بدأت مع دعوة الملك شخصيا لإعلان الحرب على إسرائيل وعبرت بقرار صوت عليه البرلمان بالإجماع ويقضي بطرد السفير الإسرائيلي مع مذكرة عاجلة تقترح تعديلات على قانون إتفاقية وادي عربة.
نفس التكتيك إتبعه الكنيست الإسرائيلي عدة مرات وهو يتحرش بالأردن عبر إقتراحات لمتطرفيه تحت عنوان الوطن البديل.
عمليا لأول مرة يتفق البرلمان والحكومة معا على التصعيد في مسألة إسرائيلية والجولة لم تنته بعد فجلسة الأحد المقبل ‘حرة’ ومسلسل التصعيد سيتواصل ضد الإسرائيليين.
السؤال هو: لماذا شعر الأردن رسميا بأن إسرائيل تتخطى الحدود هذه المرة وتعبث بالطبق؟
الجواب متاح عبر الوضع السياسي الداخلي العام الذي يشير لان تل أبيب تستقوي مرة أخرى لكن عبر جبهة حساسة فجميع أطراف معادلة الحكم والإدارة في الأردن لم تكن على علاقة بقصة ‘إتفاقية القدس′ التي وقعها العاهل الأردني الملك عبدلله الثاني مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل نحو شهر ونصف.
المسألة تمس مباشرة مؤسسة القصر الملكي الأردنية التي أخذت على عاتقها هذه الإتفاقية وبصورة سرية قبل ستة أسابيع.
لاحقا لتوقيع الإتفاقية فهمت ‘القدس العربي’ بأن وزير الأوقاف محمد القضاة وقع الإتفاقية بصفته ‘شاهدا’ فقط بعد ملاحظة بروتوكولية خلال إجتماع سريع وخاطف على هامش إستضافة عباس فقد كان برنامج البروتوكول يقضي بأن يوقع الإتفاقية شاهدا رئيس الوزراء عبد الله النسور.
المسألة لم ترق لرئيسي مجلسي الأعيان طاهر المصري والقضاء هشام التل ومعهما رئيس الوزراء النسور فوصلت الملاحظة لمدير مكتب الملك عماد فاخوري الذي بادر لتبديل الوضع فأصبح الدكتور القضاة شاهدا ما دام الشاهد الفلسطيني هو نظيره في الطرف الاخر.
قبل ذلك ولدت قصة إتفاقية القدس بقرار سريع وسري إتخذه الرئيس عباس مع العاهل الأردني فتوجه إلى عمان فورا بطائرة مروحية أردنية أرسلت له وإصطحب معه وزير الأوقاف الفلسطيني فقط محمود هباش دون إبلاغ حتى أركان مكتب الرئيس.
في عمان كان عباس يفترض ان التوقيع على الإتفاقية سيكون سريا وإستغرب وجود الإعلام وإستفسر وجها لوجه من الملك الأردني فيما إستمعت القدس العربي مع أخرين لوزير الأوقاف الفلسطيني يلمح لظروف وإعتبارات خاصة وحساسة جدا دفعت الرئيس عباس لتجديد إتفاقية الولاية الدينية على مقدسات القدس للأردن.
هذه الإعتبارات يفهم منها نقطة مركزية أساسية تتمثل في أن إعتبارات قانونية محضة تطلبت منع إسرائيل من ‘قضم’ القدس تماما وفرض أمر واقع وبأن مصير القدس الشرقية عمليا وسياسيا كان إرتهن لأسباب غامضة بموقف فلسطيني يفاضل بين خيارين لا ثالث لهما.
الخيار الأول ترك ملف القدس لإسرائيل تماما والمجازفة بالوقائع التي يمكن أن تفرض على أرض الواقع خصوصا في قصة ملكية أوقاف المدينة، والخيار الثاني ‘إشراك’ الأردن بالمسئولية وتفويضه مجددا ومن الجانب الفلسطيني هذه المرة بالولاية الدينية. ولذلك على الأرجح سبب قانوني محض يتعلق بأن القدس محتلة وستشكل في مرحلة التفاوض النهائي محورا مفصليا للخلاف والنزاع والأردن أقوى من دولة فلسطين في مسألة مقدسات المدينة لسبب بسيط وهو النص على الولاية الدينية في القدس للأردن ليس فقط بموجب قانون إتفاقية وادي عربه الأردني ولكن أيضا بموجب مصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون نفس الإتفاقية بمعنى أن القانون الإسرائيلي يفوض الأردن بالولاية الدينية.
وفقا لمصادر رسمية أردنية كانت إسرائيل وخلافا للأنطباع السائد خارج سياق التشاور مع ‘إتفاقية’ القدس الفلسطينية الأردنية الجديدة.
وهذه الإتفاقية ‘تحصن’ المواقع الوقفية الإسلامية والمسيحية بموجب القانون الدولي وقوانين إسرائيل النافذة من إجراءات أحادية خشي عباس أن تتخذ قبل الجلوس على طاولة الوضع النهائي، الأمر الذي دفع عباس بإتجاه توقيع الإتفاقية مع الأردن ودفع عمان للقبول بأول ‘ضمانة’ فلسطينية لها بعد أخلاقي وتاريخي توافق على رعاية الأردن للمقدسات قبل إندفاع إسرائيل لرد الفعل الأخير الذي إنتهى بدوره بجملة إعتراضية أردنية تميزت بالصلابة وبصرخة نادرة في وجه إسرائيل.
بهذا المعنى يصبح إطلاع الوزير القضاة على مثل هذه الحيثيات مقدمة طبيعية لإهتمامه بتوجيه رسالة معاكسة لإسرائيل.
القدس العربي