مثقفين ومفكرين كُثُر – متعلمين وخبراء أكثر- وما الفائدة المرجوة من تلك الثقافة والفكر والتعليم والخبرة في غياب الأمل والتفاؤل المستمد من إرادة الله وقدرته.
أينما توليتَ ووجّهْتَ الوجوه والأسماع والأبصار تجد نفس الأفكار قلم يعد لكل مقام مقال ولكن أصبح الحال لكل مقال منام وملام ؟ أين الدافع الذي يضطر الإنسان إلى المضي قُدُما؟ وما هي الأهداف التي يسعى لتحقيقها في ظل فقدان الإيمان واليقين بأن ما كان مصيبنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ؟ لِمَ يحاول هؤلاء المثقفين الذين يعتبروا من صفوة الناس إلى التقهقر لهم ولغيرهم والدعوة إلى ترك محاولة التغيير ولو بالفكر حتى لو أخذت حركة التغيير سنوات عديدة لتتحرك على ارض الواقع؟
هل المعرفة والعلم واطلاعهم على أمور كثيرة وانخراطهم ومشاركتهم في كافة المجالات وتجاربهم العلمية والعملية كانت دافعا لهم بإحباط الهمم التي تسعى لإحداث التغيير ومحاولة الإعمار لا الهدم ؟
أم الجهل، فإن الجهل داء قاتل يُرْدي صاحبه، وأعظم أنواعه: الجهل المركّب فيسير المرء في حياته على جهل وهو لا يعلم أنه جاهل بل يظن نفسه على الحق والهدى؟ يقول الله تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾(103-104)[سورة الكهف .
أم إتباع الهوى ، والله تعالى يقول: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾[سورة الجاثية الآية 23.
فالأساس إذا أصيبت الأمة حيث تصاب من داخلها تكون مصيبتها في نفسها وعدوها منها، فإن حاربت وقاتلت فإنما يقاتل المرء أخاه، وإن سكتت وكفت سكتت على بلاء عظيم يزداد سوءا وخطرا فهي فتنة يظل فيها الحليم حيرانا, يقول النبي صلى الله عليه وسلم : سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. سألت ربى : ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها- أخرجه مسلم .
ألا يعلموا أن الرسول الكريم حين نزل عليه الوحي بتبليغ الرسالة ودعوة الناس كافة لم يؤمن له إلا القلة القليلة في أول عشر سنوات تقريبا , ولكنه سرعان ما انتشر وعَمَّ كل البقاع – فما تفسيرك أيها المثقف المتعلم بهذه الحالة؟ لا تقل بأنها معجزة الرسول الكريم فقد كان مُدَعَّماً بملائكة من السماء , وأجيبك بان الله لو شاء أن يَعُمَّ الإيمان والهدى على الجميع لقال للشيء كن فيكون- ولم يكن لزاما وجود رسول للتبليغ – ولكنها سنة الله في خلقه فالجميع مكلّف بنشر الخير والدعوة للحق والإصلاح والتغيير ولكنها تستلزم الإرادة والثبات والعزيمة وفوق كل هذا الإيمان بالله والرضا بقدره خيره وشره.
لا يوجد سبب أو مبرر يغفر لتلك العقول ومحاولاتها البائسة لزرع روح الفرقة والخلاف بين الناس والتي من أولوياتها كان المفترض كونها الفئة المتعلمة التي تحمل الفكر أن تبُثّ روح النضال والتفاؤل والأمل في زمن الكل يعرف أننا محاصرون ومستهدفين بشتى الوسائل ومراقبين من القريب قبل الغريب, من الصديق قبل العدو , فالصديق لم يعد يثق بصديقه فكل ما يقول أو يفعل يكن نسيا منسيا- أما العدو فلا تظن انه يسير مطمئنا لسكوتنا وخضوعنا ولكنه يتحرق شوقا وألما لمن يقف له بالمرصاد موقف الند والغريم لا موقف الود والحريم.
تلك الفئة لا تستحق أن تكون اللسان المتحدث باسم البشرية ولا أن تتولى موقعا مسؤولا إعلاميا لتبُثّ سمومها, أصبح كل مطلع على آرائهم وكل قارئ لكتاباتهم إن وجد ذرة إيمان في قلبه وتفاؤل شعر كأن العالم لا يسير بل \"مكانك سر\" ويا ليت هذا الشعار الذي ينتهجوه ظل على حاله بل أضافوا إليه \"مكانك سر- وعلى أقل من مهلك\".
كنت على يقين ولا زلت أن التغيير والخلاص والنجاة قادم لا محالة وهذا ليس باجتهاد بشر ولكنه قول العزيز الجبار الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- قال تعالى\"وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ (5)سورة القصص , والمستضعف ليس هو الضعيف و الفاقد للقدرة و القوّة .. بل المستضعف من لديه قوى بالفعل و بالقوة، و لكنّه واقع تحت ضغوط الظلمة و الجبابرة، و برغم أنّه مكبل بالأغلال في يديه و رجليه فإنّه غير ساكت و لا يستسلم، و يسعى دائما لتحطيم الأغلال و نيل الحرية، و التصدي للجبابرة و المستكبرين، و نصرة مبدأ العدل و الحق.
التغيير حاصل إذا تلاشت الدعوات الهدامة التي تدعو إلى الخنوع واليأس من فئة تعتبر نفسها مفكرة وملمة بمحدثات الأمور جميعها وهي لا تعلم من بعد علم شيئا- ربما كان من هم اقل منهم علما وفكرا وخبرة ولا علم لهم بكيفية مسك قلم لربما كانوا أجدر من تلك الفئة المتعلمة المثقفة ذات الخبرة بالحياة العلمية والعملية ودقائق الأمور .
لكل إنسان لا يرضى بالإذلال والخضوع ومهما كان قدره وقدرته وعلمه أدعوه إلى نبذ وتجاهل كل متحدث يشيع الإحباط وقهر النفس البشرية بدلائل وهمية معششة في فكره فقط معتمدا على إحداثيات من صنع البشر متناسين صنع الله وعظمته وقدرته على التغيير.
وأقول لتلك الفئة الضالة المضلة دعكم من السلبية الممنهجة ولا تكونوا ممن يفتنون الناس بحوارات وأفكار لا تسمن ولا تغني من جوع بل تزيد الفرقة والقهر والحقد بين الصفوف وتهوي بهم إلى قاع بحر مظلم يمده من بعده سبع أبحر ويزيدون في الطغيان والخنوع والاستسلام.
ولتكونوا ممن يدعون إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ولتقل خيرا أو لتصمت فان لم تفعل فبسلبيتك ودعوتك للاستسلام المؤدية للقهر والإحباط فأنت لا تستحق البقاء فالأفضل لك أن تدفن نفسك بالتراب.
Enass_natour@yahoo.com
http://enassnatour.maktoobblog.com/