زاد الاردن الاخباري -
بدأ منذ قليل لقاء حاشد بين عشائر الحويطات والمعانية، بدعوة من النائب عاطف الطراونة في محافظة الكرك.
الاجتماع يعقد بحضور 5000 شخص للتباحث بالأحداث التي حصلت في محافظة معان مؤخرا، وراح ضحيتها 4 أشخاص.
وفيما يلي نص كلمة النائب عاطف الطراونة:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على أشرف الخلق، محمد الهادي الأمين النبي العربي القرشي الهاشمي، وعلى سابقيه من الأنبياء والمرسلين؛ وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد؛
تعجز الكلمات عن إيفائكم حقكم من التكريم والثناء، وأجد نفسي مدينا لكم جميعا بواجب الأخوة؛ ورابط الدم بعد تكريمكم لنا، بقبول دعوتنا المتواضعة.
وهي الدعوة التي ليس لنا فيها؛ سوى أن نبسط لكم مجلسا للقاء والتشاور على ما بلغناه من حال؛ كمحافظات وقرى وبوادي وعشائر.
فحضوركم الطيب، وقبولكم الكريم، أرخى على هذا الاجتماع وقارا، سبقه ولحقه، ما تمثلونه من امتداد تاريخي للبلاد، وحاضرها، وأظنكم ستفتحون باب المستقبل على الخير الوثير والأجر الوطني الكثير.
وما لنا بين عشائرنا في الجنوب، سوى أن نحسن مقامها عندنا، ونحسن وفادتها بيننا، وأن نجعل صدر المكان والزمان، بساطا لها، لتفرش عليه وعلينا؛ هيبة الأخوة وسند الزمن وقيمة التاريخ المشترك، والانصهار في جسد واحد؛ فإذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
فالعشيرة والعشائر، هي دالة الأصل والفصل، وهي ما "نتونس" به في وحشة الزمان، وزحمة الحياة وظلتمها، وجور المسؤولين على قوتنا وتاريخنا.
ومن أجل ذلك فإن دعوة أخوكم الصغير لكم، ما هي إلا دعوة المحب لأهله، والساعي لتوجيب ربعه، والمخلص في الجهد والعمل من أجلكم، والسعي الدؤوب لصنع نقاط للقاء؛ تجمعنا ولا تفرقنا، وتأخذنا عند بعضنا لا تنفينا عن بعضنا.
وما هذه الدعوة المتواضعة، سوى تأسيس للقاء دوري نلتقي فيه نحن الأهل والصحبة والأخوة، على خيرنا وخير أبنائنا، والبحث عن ما نورثه للوطن والأبناء من خير عاداتنا وجميل تقاليدنا، وأصيل تربيتنا، وعظيم تاريخنا.
ومن هذا المُنطلق؛ فقد تنادى نواب محافظات الجنوب والباديتين الوسطى والجنوبية، لبحث واقع المنطقة، ودراسة أحوال أهلها، والطلب الحثيث في صنع ما يرمم العلاقات الاجتماعية، ويزيد من لحمة العشائر الأردنية، ونبذ المسلكيات القبيحة الدخيلة على عاداتنا، والتمسك بأصول دولة القانون، لكن القانون والدولة العادليْن المنصفيْن، اللذين يؤسسان لمظلة عدالة اجتماعية، لا يجور بعدها قوي على ضعيف، ولا يبطش كبير بصغير، ولا ينهك سيء اندس بيننا أصلا أو عقيدة تشربناها من آباء وأجداد، تركوا لنا من ميراث الرجولة والأخلاق ما هو أثمن من الأموال والأرض والممتلكات.
شيوخنا وعزوتنا
لقد ساءنا ما نتعرض له من تشويه لصورة مؤسسة العشيرة، وهي المؤسسة التي نهضت بالوطن ومؤسساته، وقدمت تضحياتها من أجله، وأنشأت أجيالا لخدمته وحمايته.
فالعشيرة، وهي أول مؤسسة مجتمع مدني، ساهمت في بناء الإنسان والمكان، لتستحق منا أن نعيد لها اعتبارها، وأن نستعيد دورها ودورنا، والذي هو محور حياة قرانا وبوادينا ومحافظاتنا ومدننا.
لا تتنافس العشائرية مع المدنية، بل أن كل منهما سببٌ في نشوء الآخر، ولا ننسى أن أصل مجتمعنا العشائري كان حياة منضبطة، وقوانين أخلاقية رادعة ومُلزمة، وما كانت مجالس قضائنا العشائري إلا محاكم بلا سجون، وأحكامها وقوانينها رادعة، وعدالتها تنير عتمة الصحراء وقلوب الأشرار.
ولعل المدنية استمدت حضريتها من خلق العشيرة وأبناءها، فما بالنا اليوم نتعرض لحملة مُجحفة بحق تاريخنا، ومن دون أن ينظر أحد لواقعنا الذي أنهكه الفقر والجوع والبطالة والحرمان وتدني مستوى الخدمات في المجالات والقطاعات الحيوية جميعها.
ربعنا وعزوتنا
إن كارثة الجنوب، من امتداده الجغرافي والطبيعي من البادية الوسطى مرورا بالكرك والطفيلة ومعان والبادية الجنوبية وصولا إلى العقبة، بأنه ظل مكانا خارج اهتمامات الحكومة المركزية التي لا تعرف ابعد من حدود عمان.
وإن كارثة الجنوب بأنه وإن شكل سلة موارد الأردن الطبيعية، فإن جيران هذه الموارد وحُماتها حرموا من أثرها التنموي؛ استخراجا وانتاجا وتصديرا وإيرادا.
إن سمو أخلاق الجنوبيين، حتى وهم يتربعون على عرش الفقر، والتقدم المستدام في أرقام البطالة، ونيلهم الحصة الأجزى والأوفر من الحرمان والتهميش، لم تدفعهم لمقابلة كل ذلك؛ محافظات وسكان، بذكر الوطن بسوء، ولم يأتوا على الخيانة لا من قبل ولا من بعد، وإنهم بقوا خزان الوطن من الرجال، لأنهم صناديد الحق؛ صناديق الافكار؛ عميقي الغضب والعتب، وهم المقسطين في الكلام في زمن ارتجال المواقف عبر هدر الخطابات.
ربعنا وفخرنا وعزوتنا
لم يعد سرا أمر اجتماعنا، فهو دعوة صادقة للقاء الأفكار على خير مؤسسة العشيرة، ورد الاعتبار لها، وصون مهابتها من "الحيف" الذي لحق بها من العابثين بصورتها.
فمؤسسة العشيرة هي رديف ومساند ومساعد لدولة القانون، ولم تكن العشيرة أصلا؛ إلا حاكمة بين الناس على الإلزام عرفا، وعلى التقاليد تكريسا، بعد أن جذرت علاقات المحبة بين أهلها، وما تاريخنا قبل الدولة وبعد نشوئها، إلا شاهد على مكانة الوعي في مجالسنا، وعلى أصول التربية لأجيالنا، وعلى سمو الأخلاق من شيم تسامح وتعاضد وتكافل.
شيوخنا ووجهائنا وعزوتنا وفخرنا
لقد مضى من عمر الجنوب ما مضى من عمر الدولة، وما كانت الدولة تتطور وتنمو، إلا والجنوب بالكاد يحبو في أرقام النمو والتنمية، وكأن التنمية تتباطأ على طريق الصحراوي ولا يصلنا منها إلا النزر اليسير.
وإننا ومهما قدمنا للدولة، نظل ابناءها الذين نشعر بالتقصير تجاهها، لأننا نحفظ ميراث أجدادنا لنا في عهد الانتماء لثرى الوطن؛ قراه ومدنه وبواديه.
وها نحن نحفظ إرثنا؛ فلم نبدل يوما ولم نتغير، لكن جائحة الفقر وتزايد أعداد البطالة، والشعور بغياب معايير العدالة الاجتماعية، وفقدان فرص المساواة، وتضييع فكرة توزيع مكتسبات التنمية، كل ذلك ترك غضبا في قلوب شبابنا، الذين إن فصلتهم الطريق عن عمان ساعات، فإنهم يشعرون بأنهم مفصولون عن طريق التنمية أعواما وعقود.
وهنا؛ فإننا لا نقلل من أهمية احتقان مجتمعاتنا وشبابنا، الذين يشعرون بالغبن والقهر، والذين لم نترك لهم ولم تترك لهم الدولة، مناص عن التعبير بالموقف بالعنف.
وعلينا في هذا المقام أن لا نُعمم، فشبابنا الغاضبين إن كانوا بالعشرات، فإن شبابنا الصابرين المحتسبين هم بالألوف، وعلى الدولة أن تسعى لهم جميعا، وتلبي مطالبهم، وتنصف جيلهم، قبل أن يكون الغضب هو الطريق الأخير الذي قد يسلكوه.
ويزيد من الصورة قتامة؛ بأن ضعف دور الحكام الإداريين، وتقليص صلاحياتهم، كان سببا في هدر قيمة الحاكم الإداري؛ عملا ودورا وفرصة.
وفي ذات السياق؛ فبلديات خزائنها فارغة من المال، كيف لها أن تحدث فرقا تنمويا، أو تنشأ حالة اقتصادية اجتماعية معقولة؟! فالبلديات سيظل دورها معلق حتى إشعار آخر، بعد أن صارت أماكن لا حياة فيها ولا أمل منها.
فإن منحت الحكومة صلاحيات للامركزية إدارية، فهي صلاحيات المفلس، لأن موازنة حكومة متخمة بالعجز لن تعين بلدية "طفرانة"، وبالتالي فإن منحها للصلاحيات جاء للوقوف في وجه المجتمع وليس النهوض بالمجتمع.
كم مؤسف ما بلغناه من تراجع حالنا على المستويات كافة، وهو ما ينذر بالقلق والخوف، وعلى المسؤولين، كل المسؤولين أن يعوا خطورة ما نقول وما نجتمع عليه اليوم.
لذلك فإن الحفاظ على مؤسسة العشيرة، وإن التمسك بها؛ قيمة ودورا ومرجعية اجتماعية، والتمسك برموزها وتقديمهم بالشكل الذي يليق بهم؛ صار دورا وطنيا مطلوب منا جميعا أن نسعى له بكل إصرار وعزيمة.
يا ربعنا وعزوتنا
لقد تنادى نواب محافظات الجنوب والباديتين الوسطى والجنوبية، لتدارس كل أوضاع مناطقنا، وبادروا إلى صياغة أفكار لاجتماعنا هذا، وهي أفكار مطروحة للتوافق أولا، وللخروج بآليات تنفيذية ثانيا، حتى يمكن لنا من خلال ذلك على تعويض غياب الدولة عن رعايتنا، على ان نلتزم بأحكام القوانين السارية، وعلى أن تكون المبادرة هي إطار اجتماعي أخلاقي تربوي تمارسه العشيرة، وتشرف على مأسسة ذلك، حتى تعود العشيرة حاضنة القيم والمعاني الإنسانية النبيلة والسامية.
إننا وإذ نقدم هذا الجهد المتواضع؛ فإننا نسال الله أن يكون جهدا خالصا في البحث عن تقاطعات نقف عليها جميعا، ونبدأ منها مشوار استعادة الدور الاجتماعي للعشيرة، وهو الدور الذي يُجمع ولا يفرق، ويدمج ولا يفكك، ويصهر ولا يحلل.
إن دور العشيرة في التاريخ الأردني؛ هو دور أصيل، كان له فضل في فض الاشتباكات بين الناس، والسعي في التقريب بين مصالحهم لما فيه خيرهم، لذلك وأمام زمن الحداثة والعولمة، فإننا بحاجة ماسة لاستعادة الدور القيمي والتربوي للعشيرة، على أن تعمل تحت مظلة القانون، وتكون سندا للقانون في تحقيق أقصى معايير العدالة الاجتماعية.
ربعنا وعزوتنا
إن الأردنيين لم يكونوا يوما يرون انفسهم فوق الدولة والقانون، وقد أيقنوا قبل مائة عام قيمة القانون والدستور كناظم لحياتهم وعلاقتهم، وكان ذلك يوم التفوا حول الإمارة مؤسسيين ورواد وقادة، فهذا زمن متصل مع بطولاتهم ومواقفهم، كيف لا ونحن نرى فينا اليوم زمان متصل مع عودة ابو تايه وحمد بن جازي ومشهور حديثه ومثقال الفايز وكليب الشريدة وحسين الطراونه وعطالله السحيمات وصالح العوران وحابس المجالي ووصفي التل، وآخرين نسجوا لنا ومعهم ابنائهم من قبائل الدولة، وطن أدنى مكارمه أننا نكتمل فيه.
ربعنا وأصحاب الفضل علينا
هذه مبادرتنا في اجتماعكم، وهذه عناوينها نضعها أمام حواركم، وانتم أصحاب البيت، و"حشمتكوا بينكوا"؛ فإن اجتهدنا في وضع برنامج عمل لهذا الاجتماع، لكن كل أفكاركم هي موضع ترحيب واهتمام، وهي وسيلة لوضع ميثاق جامع يسهم في استعادة دور العشيرة ضمن معايير الأصالة والتاريخ، والمعاصرة في التحديث.
والله من وراء القصد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته