مع إطلالة الانتخابات البرلمانية واللامركزية ، تلوح في الأفق مسألة الشباب والمشاركة السياسية. وهذا الحديث في حد ذاته يبين مدى أهمية الشباب في العمل السياسي من جانب وعزوف الشباب عن العمل السياسي من جانب اخر ، إذ لو كان الشباب مهتمين بالسياسة لما طرح هذا الأمر ولما شغل العزوف بال الكثيرين.
لكنّ ثمة سؤالا عريضا لماذا العزوف من طرف الشباب عن المشاركة السياسية؟ أو لماذا يغيب الشباب عندما يتعلق الأمر بالأحزاب؟.
إن نظرة واحدة حول الأحزاب السياسية في وطننا الحبيب تجعلنا نقف أمام مفارقة عجيبة في ان الأحزاب تنادي بملء فمها عن رغبتها في ضم الشباب إلى صفوفها في حين لا تقدم - معظمها - لهم خطابا فكريا او حتى لا تخصص لهم أي منصب داخل لجان الحزب المتفرعة عنه ، مما يوحي أن الأحزاب تريد الشباب فقط من أجل رفع عدد المنخرطين ليس إلا ، حيث لا نعثر على أي شاب دون الخامسة والعشرين داخل المكتب المسير لأي حزب ، وهذه بالطبع رغبة بعض الأحزاب الذين يحاولون إبعاد أي شاب عن مركز القيادة فيه.
إن النظرة السائدة لدى غالبية الشباب اليوم في الأردن هي نظرة تشاؤمية تجاه العمل السياسي والأحزاب السياسية ولإزاحة هذه النظرة لا بد من دراسة جذورها والعمل على تقويم أسبابها ، هذه الأسباب التي تظل متجذرة ولمحوها تحتاج الأحزاب إلى توفير خطاب فكري قادر على إقناع الشباب في أن العمل الحزبي السياسي ليس عيبا ولم يعد مصدر خوف للكثيرين ناهيك على أن الإرادة والقدرة و نكران الذات هي ابرز ملامح هذا الخطاب ، حيث يجب على الأحزاب هيكلة صفوفها وزرع نوع من الديمقراطية داخل أجهزتها واللجوء إلى مبدأ التنمية السياسية بعيدا عن الانغلاق السياسي والفكري عبر استقطاب الشباب للانخراط في العمل الحزبي.
وترى مجموعة من الباحثين الاجتماعيين أن عزوف الشباب عن المشاركة في العمل السياسي تتداخل فيه أسباب ذاتية وأخرى موضوعية وهذا ما أكدته دراسات متخصصة أيضا. ففي الوقت الذي نجد فيه نسبة الشباب في المغرب تتجاوز %70 نجد أن %97 منهم غير منتمين لأي حزب سياسي وهذا يطرح أمامنا تساؤلا كبيرا لماذا تظل كل هذه النسبة العريضة بعيدة عن المشهد السياسي؟ غير أن قراءة الواقع السياسي ومتابعة الشأن الحزبي كفيل بالإجابة عن هذا التساؤل ويتضح ذلك جليا من خلال جمود الأحزاب وتراجع دورها سياسيا و تأطيرها بسبب ترهلها و تهميش الشباب وفرض الوصاية عليهم من خلال القيادات الحزبية.
إن ظاهرة عزوف الشباب عن السياسة دفعت بالعديد من هؤلاء الشباب لاتخاذ موطئ قدم لهم داخل مؤسسات المجتمع المدني والانخراط في العمل التطوعي فقط كبديل لكون هذه المؤسسات تقترب من قضاياهم ومشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية كما تخصص حيزا مهما لتكوين قيادات تشاركية دون إقصاء ، وتوفر في الآن للشباب فرصا لإبراز مواهبهم وتفجير طاقاتهم وإثبات ذاتهم.