زاد الاردن الاخباري -
حكم قراقوش ام رهان جحا ؟!
بسام الياسين
كلمة السر،ان تكشف اسرارهم وتفضح مكنوناتهم،وتسلط الاضواء الكاشفة على مخبوآتهم الدنيئة.هي الكلمة المقدسة،مفتاح الصواب الى الحقيقة الناصعة الطاهرة كغيمة محلقة. الكلمة المخرز التي تفقأ عين الباطل في عز الظهيرة على مرآى من الناس لتكون عبرة وآية. الكلمة الشفرة التي تبري قلم الحق ليكون لسان الخلق، محبرته ضميره لا "مبولة" غيره ،فأسوأ ما في الوجود ان تكون بوق غيرك،و الاسوأ من كل سوء ان تكون قنطرةً يعبر عليها غيرك وتبقى انت في محلك.
*** الكاتب الحق يتعين عليه ان ينظر بعيني نسر محلق،لا عيون دودة سابحة في الطين،خاصة بعد ان فتح الله علينا ابواب السموات و الارض لالتقاط المعلومات. التناقض المفزع هي في قدرتك المطلقة على معرفة ما يدور في آخر الدنيا،مع جهلك المطبق بما يدور في مؤسسة لا تبعد عنك سوى خطوات.هذا ما اثبتته دائرة مكافحة الفساد بان بعض المؤسسات كانت قلاعاً للفساد لا يجرؤ احدٌ على الاقتراب منها،داعين الله ان تواصل الدائرة اقتحام ما تبقى من قلاع منخورة .
*** لدغة الافعى السامة قرينة تدل عليها،رغم ملمس جلدها الناعم ولونها الزاهي،،كذلك الثراء المُحدث دليل قاطع على وجود حفنة من اللصوص،لم تتبدل نقائصها،وان تبدلت جلودها،وتغيرت خطابها،بينما الحكومات القراقوشية لم تزل هي هي،كما كانت منذ ان اصدر بهاء الدين قراقوش حكمه "القراقوشي الغرائبي" قبل الف عام ،مُذاك تراجع الخيّرون الى الصفوف الخلفية فيما احتل المنحرفون ممن جاؤوا بقوة الخديعة صدارة المشهد.
*** من غرائب احكام " قراقوش" ان احدهم اشتكى اليه مماطلة غريمه في دفع ما بذمته من دين.فسأل قراقوش المدين عن سبب المماطلة.فرد عليه: سيدي،انني رجل فقير الحال،التقط رزقي يوماً بيوم،وعندما اكسب مالاً يزيد عن حاجتي،لا اجد دائني الماثل امامي،فاذا انفقته على اسرتي الكبيرة التي تطحن الصوان وتبلع الزلط ،جاء ليطلب دينه.سيدي : انا لا انكر حقه، لكنني اجهل عنوانه.اطرق قراقوش،وراح في غيبوبة فكرية،و بعد ان افاق، اعتدل في جلسته و اصلح عمامته.حبس الجالسون انفاسهم بانتظار النطق بالحكم.نظر"اسطورة الحكم الرشيد" الى عساكره بحزم ثم قال لهم: إحبسوا الدائن كي يتسنى للمدين معرفة عنوانه ليدفع له ما بذمته كلما تيسرت احواله.لم يتمالك الدائن نفسه من القهر فصرخ:هل تريدني ياسيدي ان امضي بقية حياتي سجيناً حتى استوفي حقي.انني اعلنها لوجه الله تعالى و مولاي السلطان و سيدي قراقوش والحضور الكرام تنازلي عن ديني شريطة ان اعود لاهلي.
*** حال جحا كان اكثر غرابة.فقد تورط يوما في رهان عجيب مع "الحاكم دار" في بلدته،وانتهى الرهان بتعهده تعليم حماره النطق، ولم يكتف جحا بالرهان بل الزم نفسه امام الحضور بتعليمه نظم الشعر،و إعتلاء منابر الخطابة في المناسبات العامة،وإتقان فن الحوار من دون جعير او سحب مسدسات او تراشق بالصرامي،شريطة إمهاله بضع سنوات لتنفيذ مهمته.وافق الطرفان، و بعد توقيع صك الاتفاق عاد جحا قافلا الى بيته راكباً حماره.علمت البلدة بالقصة العجيبة،فزحفت اليه. بادره المختار بالقول: هل انت حمار حتى تدخل هكذا رهان .إبتسم جحا وقال له: لست حمارأ بل انت حمار وربعك المحتشدين معك اكثر حمرنة منك .وقع الجواب كالصدمة على رؤوس الحضور.فصاح شاب يجلس وسط الجمع :كيف يكون ذلك "يا عبقري زمانك".رد جحا:الموضوع لا يحتاج الى عبقرية ياغلام ،فبعد عشر سنوات اما ان يموت الحمار او يموت "الحاكم دار" و اما اموت انا وتنتهي القصة.
*** قصة قراقوش وجحا لمعت بذهني عندما قرأت كشف النائب باسل الملكاوي عن حصول موظف على قرض مالي من صندوق المعونة الوطنية تزيد قيمته على ( 100) الف دينار يجري سداده بواقع ( 20) ديناراً شهرياً.وبحسبة بسيطة يحتاج الموظف "المسكين" الى خمسة الآف شهر لابراء ذمته من اموال الفقراء و الايتام و الارامل .بحسبة اكثر بساطةً فانه يحتاح الى اربعة قرون وعقدين بالتمام والكمال،أي ازيد من اربعة اضعاف عمر المملكة،فمعجزة سيدنا نوح الذي عمّر حوالي الف عام لن تتكرر،فلا معجزات بعد الانبياء.
***الغريب في القصة الغريبة فوق غرابتها،ان الشيك "ابو العشرين" لم يصل للبنك المركزي،عندها انبرى وزير المالية ـ جزاه الله خيراً ـ متعهداً امام الله والملأ اجمعين ومجلس النواب وعدسا ت المصوريين الصحافيين وكاميرات الفضائيات المحلية و الاقليمية والعالمية، بالتعاون مع الاجهزة الامنية للبحث عن "الشيك التائه" .فالحكومة ـ كما يعرف الجميع ـ حريصة على مال الشعب ـ ."و لا يوجد راس فاسد عصي على الكسر او شيك فالت من دون ملاحقة".
*** الاستنتاج الاولي من هذه اللعبة / الخدعة، ان الانتماء هو الغائب الاكبر و الامانة الوظيفية مفقودة.فهؤلاء المسؤولون استطاعوا ان يهزموا الشيطان في معاقله الحصينة،ويتفوقوا على ابليس في ابتداع الطرق لنهب المال العام .لهذا لا بد من الترحم على قراقوش وجحا، لانهم تلاميذ صغار قياساً مع جماعتنا،اذ انهم بلغوا من "قلة الدين" بحيث لا يعنيهم من بعيد او قريب وجود الآف العائلات المعدومة، التي تنتظر بفارغ الصبر آخر كل شهر مبلغ ( 40) دينارا من صندوق المعونة الوطنية لتقتات عليها .
*** لما تقدم من فلتان من حقنا ان نتسآءل :هل هذه الواقعة بكل اطرافها تندرج تحت وصف عصابة سطو بقوة القانون ام انها خيانة وظيفية ؟.وهل تجوز معها التوبة الوطنية ام لا بد من التعزير الوطني بالتزامن مع المحاكمة العلنية لكي يرعوي هؤلاء الخنازير المعلوفين بعلف حرام مسروق من مال الشعب؟ّ!.
*** لذلك لابد من صحوة وطنية،يقول كل واحد فينا ما يجب ان يقال،بعد ان تجاوزنا الخطوط الحمراء في الخراب، وفي هذا الاطار نسجل تقديرنا لما قاله بعض رؤساء الوزراء السابقين والنواب المخضرمين والصحافيين الانقياء بالاعلان الصريح عن قلقهم و الكشف عن مخاوفهم و التحذير مما آلت اليه الامور من تدهور سريع بينما الاصلاح يتم بالقطارة ومحاربة الفساد بالقطعة.فيما يقف الوطن على لغم لا يعرف قوته التدميرية الا الله .
*** المخاض الذي يسود الوطن العربي ،اسقط الكثير من المفاهيم السائدة :كـ "الرجل الواحد/القائد البطل" "الحلقة الضيقة /النخبة البطانة" "الحزب الواحد/ الحزب الحاكم" في حين يرى الاجماع الاردني ان بلاوينا جاءت من النخب الفاسدة التي جرجرت البلاد الى الجحيم،واذا اردنا الاردن اولاً، فالاصلاح يبدأ اولاً بإزاحة هذه النخب ومحاكمتها لانها راس الفساد و الافساد.فالرهان على تعلم حمار جحا كل لغات الامم المتحدة المعترف بها وغير المعترف فيها، اقرب للتصديق من صلاح هذه الطغمة لان مقتلها في صلاحها...!!!
مدونة الكاتب الصحفي بسام الياسين