زاد الاردن الاخباري -
مة فئة من المديرين في مؤسساتنا ، وبخاصة التربويين منهم، مثل مديري التربية والتعليم ومديري المدارس ،استوطنت في عقولهم التقاليد البالية ، و أزمنت فيها برواسبها ، فلا تزال هذه القلة معجبة بالنظريات التقليدية القديمة ومستفيدة منها ؛ فترى ان السلطة يجب ان تتركز في ادوارهم كمسؤولين رئيسيين في المؤسسة ،وان هذه السلطة القسرية يمتلكونها وحدهم ، .ومع شديد الاسف فان لعبة السلطة مستفحلة و مزمنة في بعض مستويات الانظمة التربوية لدينا ، سواء في المدارس او في مديريات التربية والتعليم (وكان الاجدر بها ان تكون هي السباقة للتطوير والتحديث)، وكأنهم لم يسمعوا بما يحدث في العالم من تطورات وحريات وديموقراطيات !!
ان استخدام سلطة القسر و الاكراه والصراع ارتبطت سلبيا مع فاعلية الجماعة وقناعتها ورضاها عن عملها؛ لان هذه السلطة لها تأثيرها السلبي الضار على السلوك المنظمي ، وعلى المؤسسة بشكل عام ، فتبطئ تقدمها وتقف حجر عثرة في طريق تطويرها ،حيث يكون مدير المؤسسة دكتاتورا لا يطيق المعارضة ،ويصر على صنع كل القرارات بنفسه ،ويغلق الادارة في صدره. ومثل هذا المدير يحصر كل الامور في يده ،ويشدد على وجود رقابة صارمة ،و في مثل هذه المؤسسة تغيب الحرية ،ويغيب الشعور بالمسؤولية والسلطة من يد المرؤوسين ، وتتولد الصراعات الداخلية المكبوتة فيها ،ولأن الاشراف فيها يكون أيضا مباشرا ؛ولأن ثمة مبالغات في الاجراءات الكثيرة والتفصيلية ؛ فلا اقناع ولا ابداع ولا ابتكار؛ لان فرصها مغلقة ،ولان عمليات الضبط الرسمي تحد من تطلعات و ابداعات الافراد ذوي الالتزام الوظيفي العالي.
ان ثمة اسسا تنطلق منها السلطة تكون مفيدة ومجدية تعمل على تقدم المؤسسة وتطورها ، ويرتاح لها العاملون ويتقبلونها بصدر رحب ، وتدفعهم للتفاني والحماس في انجاز اعمالهم ومهماتهم، مثل سلطة التأثير والاقناع ، وسلطة الابداع والمعرفة والتميز،وسلطة المكافأة والتحفيز، لقد اصبح الناس اليوم مستنيرين بهدى من مآثر ثورة التقنيات والتقدم الهائل في العلوم ومعطياتها ، وتفجر المعرفة التي شهدها ويشهدها هذا العصر، وبهدي مما يجري حولنا، مما يسمى بالربيع العربي. فلقد اصبحت المؤسسات والنظم الحديثة على اختلاف انواعها تسعى إلى الانفتاح والتميز والفعالية والابداع ،لانجاز نشاطات معينة لتحقيق اهدافها ،و المحافظة على متانة كياناتها الداخلية ،وتكيفها مع مجتمعاتها المحيطة، وراحت الادارات تتحرك إلى التجديد والتطوير لإنتاج مخرجات جديدة ،وتنوع اهدافها وتسعى إلى النمو والتغيير والتميز والسبق والابداع ،وتبتعد عن الروتينية والنمطية والتسلط، وتنحو إلى الاستقلالية ،ويتحرك الافراد فيها من دواخلهم ،ويشعرون بالتحرر والارتياح.
لقد اخذت الادارات الحديثة تشعر انها ادوات للمجتمع المحيط ، وتنزع إلى الاستقلالية في التفاعل، كما ان المؤسسات والتنظيمات ذات الصحة السليمة والمعافاة ،اخذت توازن السلطة في دواخلها؛ فتوزع التأثير بالتساوي بين المدير والمرؤوسين ، فلا توجد صراعات على السلطة بين مجموعة و اخرى، فحينئذ يكون جوها العام هو جو التعاون والتفاعل والنشاط الخلاق ، وليس جو الصراع والقهر والخوف الظاهر والمبطن.
ان المديرين التربويين على اختلاف مستوياتهم مدعوون اليوم قبل غيرهم ؛ لانهم احوج ما يكونون إلى الادارة الديموقراطية المبدعة ، والى استخدام سلطة الاقناع والابداع ، وسلطة الانفتاح والحرية والديمقراطية والتساوي في العمل ،
و اشاعة روح التعاون بدل التنافس، ليندمج الافراد في عملهم بطريقة تدفعهم إلى الحصول على اكبر قدر من الانجازات ،الذين هم بحاجة إلى تلبية حاجاتهم النفسية لتكون احاسيسهم وانفعالاتهم مستقرة ومتحمسة للعمل، راضية قانعة مسرورة بعملها ،معتزة بهويتها ،بعيدا عن القهر و التسلط والاكراه ،وهم بحاجة إلى الاستقرار
و الاطمئنان وتوفير اسباب الخلق والابتكار، لتشيع روح الاعتزاز بالهوية المؤسسية و المنظمية، وتنمو بذور الانتماء ،وبذلك تكون اهداف المؤسسة التربوية هي اهداف العاملين فيها وتتوحد المصلحة بينها وبين عامليها.
فماذا عليهم ان يعملوا وكيف يستخدمون سلطة الابداع والمعرفة وسلطة الاقناع والتأثير والابوة ؟ وكيف يستطيعون تنمية قدراتهم ومهاراتهم الابداعية ؟؟
ان القيادة بطبيعتها عملية تأثير في المرؤوسين، والقائد التربوي يستطيع ان ينمي ويحسن مهاراته وقدراته الإبداعية والخلاقة الابتكارية للتاثير في العاملين معه ، وذلك بطرح البدائل والوصول إلى حلول جديدة في القضايا والمشكلات التي تعترض سبيل عمله ، والاتيان بمنتجات مقنعة وذات معنى ، والقيادي التربوي المبدع لا يعدمن ان تكون لديه قدرات الأصالة والطلاقة اللفظية والطلاقة الفكرية والمرونة التلقائية والحساسية للمشكلات ،والاحتفاظ بالاتجاه.
فهذه القدرات والمهارات مع انها وراثية المنشأ ولكن مكوناتها وراثية أو مكتسبة من البيئة ؟ فالسلوك الإنساني بشكل عام والإبداع بشكل خاص ينظر إليه على أنه دالة لكل من تأثير الوراثة والبيئة، ولكن كيف تتفاعل الوراثة والبيئة في خلق الإبداع وما أهمية كل منهما النسبية في تشكيل الإبداع ؟
لقد اتضح في نتائج دراسة القدرات والمهارات الإبداعية ، أن هذه القدرات الكامنة تنمو من خلال التفاعل بين العوامل الوراثية والعوامل البيئية ، فالأشخاص أصحاب القدرات الإبداعية ورثوا خصائص واستعدادات نظرية عالية ، ووجدوا الظروف البيئية المناسبة والحسنة التي ساعدت هذه الاستعدادات على النمو والتفوق .
والإبداع ينمو في مجتمعات تهيئ لأبنائها التجريب وتشجع عليه، وفي مقارنة بين تأثير كل من الثقافتين الأمريكية واليابانية على الإنجاز الإبداعي ، ظهر بأن اليابان أصبحت الدولة الأولى في عدد من مظاهر الإنجاز الإبداعي ، بسبب المناخ القومي الميسر للإبداع ، وتعميق الانتماء للجماعة ، واحترام روح الفريق منذ الطفولة ، والتدريب على حل المشكلات ، وإيجاد طرائق متنوعة لمكافأة الإنجازات الإبداعية.
ويرى علماء الاجتماع وعلماء الإنسان ،أن الإبداع ظاهرة اجتماعية ، وذات محتوى حضاري وثقافي ، وأن الفرد يصبح جديرا بوصف " المبدع" إذا جاوز تأثيره على المجتمع حدود المعايير العادية. وبهذا المعنى يمكن النظر للإبداع كشكل من أشكال القيادة التي يمارس فيها المبدع تأثيرا شخصيا واضحا على الآخرين . وفي رأيي وتحليلا وتعقيبا على ما سبق فان المهارات الإبداعية مهمة للقائد التربوي ليكون مبدعا في عمله، ويستطيع تنميتها، سواء أكان مدير مدرسة او مدير تربية او مسؤول تربوي ايا كان موقعه ، فهي تساعده في التركيز على الأعمال الإبداعية ، فيجعل من عملية قيادة المؤسسة التربوية والتعليمية وإدارتها مناخا تنظيميا مرنا ، فيقوم بتبسيط الإجراءات الإدارية لا تعقيدها ، ويحترم إنسانية العاملين ،ويشحذ هممهم ويثير روح الاستقلالية والمغامرة لديهم ، ويركز على الأداء والتعريف بالقيم التنظيمية وتجذيرها ، فمهما كانت المعايير للقيادة الإبداعية فإن العنصر البشري هو المعيار الحاسم في الإبداع . فمثلا ؛ فإن مهارة الحساسية للمشكلات تساعد قائد المؤسسة التربوية والتعليمية على رؤية الموقف الإداري الواحد على أنه عدة مشكلات ، ومن هنا فإنه يعي الأخطاء ويتعرف على نواحي النقص والقصور، ويحاول تلافيها حيث أن الحساسية للمشكلات سمة تقويمية دافعة أكثر منها قدرة عقلية. وأن مهارة الطلاقة أو الخصوبة أو السيولة تفيد المدير المبدع في توليد عدد كبير من البدائل لحلول المشاكل التي تعترضه ، كما أن مهارة المرونة مهمة له في استبصار حل المشكلات ، وإعادة تحديد هذه المشكلات والتكيف معها.
ويستطيع القائد التربوي الذكي تنمية مهاراته وتربيتها على الأساليب الإبداعية من خلال تطوير مهارات التحليل والتركيب والتقويم والوعي لديه، وزيادة الاهتمام بالآخرين وحاجاتهم ، والتركيز على التخطيط الاستراتيجي، وزيادة القدرة على التركيز ، وحصر الوقت ، وزيادة القدرة على التكيف مع التغيير ، ومهارة الصبر والهدوء .
كما أن القائد التربوي الذكي يعود نفسه على التفكير في المجالات التي تخلو من التعقيد والأحكام المسبقة ، وينتقد أحكامه الشخصية ومنهجية التوصل إليها كما لو كانت من الآخرين ، ويمحص أفكاره ولا يأخذ الأمور كمسلمات ، وينمي مهارات الاستفسار والملاحظة والتحليل لديه ، ويحترم آراء العاملين معه ، ويناقش الأفكار الجديدة ويعطي نفسه فرصة لاتخاذ القرار ، بعد صنعه مع العاملين معه في المؤسسة ، ولا يتسرع في ذلك.
الدكتور : شفيق علقم